كانت الدعوة إلى "تحرير المرأة" من أبرز ملامح الاصلاح الاجتماعى في العالم العربي، وهى دعوة بعيدة المدى في تطور الفكر العربي الإسلامي المعاصر وقد حمل لواء هذه الدعوة ثلاثة من أعلام الفكر العربي الحديث هم: بطرس البستانى، فارس الشدياق، رفاعة الطهطاوى وكان ذلك في منتصف القرن التاسع عشر، فقد الغى (بطرس البستانى) خطابه في تعليم النساء في ١٤ كانون الأول ١٨٤٩ وتناول ذلك فارس الشدياق في مجلته الجوانب (صدرت ١٨٦١) كما عرض له رفاعة الطهطاوى في كتابه المرشد (١٨٧٢) وهذه نماذج من كتابتهم في الدعوة إلى تعليم المرأة.
***
[رأى بطرس البستانى]
"انه (١) في النظر إلى هذا الموضوع، لابد من ملاحظة ما كتبه أصحاب الدراية والتحقيق وما شهد به اختبار جميع الأعصار والأمكنة من أمر النساء تحت اختلاف أحوالهن من حيث المعرفة والجهل والتمدن والتوعر والذين اختبروا هذا الجنس وجربوه على كل حال قد استخرجوا نتائج جليلة تؤيد ما نريد اثباته في هذا الخطاب من وجوب تعليمهن وفوائده والاضرار اللاحقة بالكون من جراء جهلهن وحكموا عن روية وصواب، بأن سبكهن في قوالب التعليم والتمدن وانصياعهن إلى شرائع تقتضيها الهيئة الاجتماعية يكللان عالمنا هذا بتيجان الفوز والنجاح ويحليان جيده بقلائد الراحة والسلامة.
أما وجوب تعليم النساء فننصح بما يأتى: لا يخفى ان الانسان ذكرا كان أو أنثى عند دخوله عالمنا هذا باولادة يكون موكولا بجملته إلى عناية غيره وتدبيره فهو لا يدرك ما حوله من الموضوعات ولا يقدر على تمييز النافع من الضار أو الخير من الشر.
ولكن بواسطة ما يعرض على حواسه ظاهرا وباطنا من المواد الطبيعية والقضايا العقلية المادية عن المادة يأخذ في التقدم شيئا فشيئا في أدراك ما حوله وتقليده والحكم عليه ونتوسع قواه العقلية والأدبية بحيث أن يكون له حق التصرف بها (القوى العقلية والأدبية) وتهذيبها وتوسيعها بحسب الاقتضاء.
لا يجب أن توجد شريعة أو عادة أو عائق آخر يمنع المرأة من التمتع بحقها في هذا القبيل.
لو سلمنا أن الرجل حقه في التعليم والتمدن انما يلزمنا التسليم بوجوب تعليم النساء لكى فيسر له الحصول بسهولة على هذه الحقوق.
فمن فوائد التعليم للمرأة منها أنه يوسع قواها العقلية ويهذبها ويوقظ ضميرها وينبهه ويحييه ويقوم ارادتها وعواطفها الأدبية ويرتب سلوكها وتصرفها.
***
أما الاضرار الناتجة من جهل المرأة فمن جملتها فساد ذوقها لانها تستحسن ما يستهجنه الذوق السليم من أمر الملبوس والزينة والحركات ومنها فساد عقيدتها لانها تصدق خرافات ومنها فساد آدابها كما يظهر من كلامها وتصرفها بين الجماعات ومنها فقدان المحبة الطبيعية حتى نحو أولادها.
تعلم النساء بناء على أن التي تهز السرير بيمينها هى التي تحرك المسكونة بذراعها.