يتخذوا الأسلوب العلمى، بينما وقف هو يرد الحجة في أسلوب قائم على المنطق والدليل وخال من الشطط أو الحماسة أو الهوى.
وكان الكتاب الجديد مثل جدل ومناقشات جديدة وقد استمرت الزوبعة بعض سنين ثم هدأت، وظل قاسم يواصل جهاده في سبيل رأيه حتى توفى (فى أبريل عام ١٩٠٨).
***
تردد قاسم في رأيه
غير أن قاسم أمين فيما تروى صحيفة الظاهر (اكتوبر ١٩٠٦) قد بدأ له أن يغير رأيه فيما دعا اليه تحت تأثير نتيجة التجربة التي عاناها المجتمع في مصر خلال هذه الفترة منذ أصدر كتابه ١٨٩٨ حتى أعلن رأيه ذاك (١٩٠٦) وصاحب جريدة الظاهر هو محمد أبو شادى الصحفى المعروف فلا غرو أن جميع هذا الرأى أحمد تيمور باشا في كناشته المحفوظة في دار الكتب (تحت رقم ٣٢ جرائد تيمور) ولو كان قد وجه قاسم اعتراضا أو مراجعة لهذا الرأى لاحتفظ به أحمد تيمور في كناشته او لتردد أمره وهذا هو رأى قاسم الذي يعتبر رجوعا منه عن رأيه الأول في تحرير المرأة وخلاصته أن الدعوة إلى تحرير المرأة سابقة لأوانها.
"لقد كنت أدعو المصريين قبل الآن إلى اقتفاء أثر الترك با الأفرنج في تحرير نسائهم وغاليت في هذا المعنى حتى دعوتهم إلى تمزيق ذلك الحجاب والى اشراك النساء في كل أعمالهم وماديهم وولائهم، ولكنى أدركت الآن خطر هذه الدعوة بما اختبرته من أخلاق الناس فاقد تتبعت خطوات النساء في كثير من أحياء العاصمة والاسكندرية لأعرف درجة احترام الناس لهن وماذا يكون شأنهم معهن اذا خرجن حاسرات فرأيت من فساد أخلاق الرجال بكل أسف ما حمدت الله على ما خذل من دعوتى واستغفر الناس إلى معارضتى. رأيتهم ما مرت بهم امرأة أو فتاة الا تطالوا اليها بالسنة البذاء ثم ما وجدت زحاما في طريق فمرت به امرأة الا تناولتها الأيدى والألسن جميعا.
انه قد تصح الدعوة في الاستانة لتحرير المرأة التركية تمام التحرير مثل نساء الأفرنج لأن الآداب العامة راقية جدا في دار الخلافة ولكن لا تجوز الدعوة من هذا القبيل في مصر. ولهذا كله لا أجد الوقت مناسبا للدعوة إلى تحرير المرأة بالمعنى الذي قصدته قبل".
***
[تطور الحركة النسوية]
تطورت الحركة النسائية وبدأت تأخذ سمتا واضحا في (الشام ومصر) ففى مصر. بدأ سنة ١٩٠٦ تجدد هبوب العاصفة على أثر مقالات نشرها عبد الحميد حمدى في جريدة المنبر التي كان يحررها محمد مسعود وحافظ عوض تحت عنوان (كلمات عن المرأة) وكانت ملك حنفى ناصف (باحثة البادية) قد تقدمت إلى الامتحان الذي كان يتقدم اليه الفتيان وحدهم وفازت بالشهادة الابتدائية. وكانت أول فتاة لأول مرة (١٩٠٠) ثم لم تلبث أن مضت في طريقها فنشرت في المؤيد قصيدة تفاخر فيها بأن الفتيات أخذن يسارن الرجال وأتيح لها بعد أن تشتغل بالتعليم فكانت أول فتاة أقدمت على اتخاذ هذه المهنة وكتبت في الجريدة مقالات (النسائيات) المعروفة، حيث تناولت مشاكل المرأة في عصرها: علاقة الرجل بالمرأة وسن الزواج وتعدد الزوجات، والحجاب والسفور. ولم تكن ملك تجرى وراء بريق الآداء الجديدة بل كانت معتدلة وحافظة عارضت فكرة السفور الا بشرط التدرج.
وقد أعلنت باحثة البادية (ديسمبر ١٩١٠) أن نساء مصر قد اعتدن الحجاب فلو أمرتهن مرة واحدة بخلعه وترك البرقع لرأيت ما يجلبن على أنفسهن من الخزى وما تقع فيه بحكم الطبيعة والتغيير الفجائى من أسباب البلاء. وقالت "أن خروجنا تغير حجاب لا يضر في نفسه اذا كانت أخلاقنا وأخلاق رجالنا على غاية الكمال ورأت أن الوقت لم يحن بعد لرفع الحجاب. ودعت أيجاد مدنية خاصة بالشرق تلائم غرائره وطبائع بلاده وأعلنت أن تعدد الزوجات مفسدة
للصحة والمال والأخلاق والأولاد وقلوب النساء.
فى هذه الفترة تقدمت نبوية موسى لامتحان الثانوية (١٩٠٧) فرفض (دناوب) قبولها وتقدمت في السنة الثانية فقبلت ونجحت بعد أن أحدثت ضجة في الصحف وأن لم تفز فتاة مصرية بالشهادة الثانوية من ١٩٠٨ - ١٩٢٩ وأرسل الشيخ محمد المهدى ابنته لتلقى العلوم في احدى الجامعات الانجليزية. وتقدمت (أسماء منصور) إلى محكمة الاستئناف العليا بقضية بعد أن منعت من امتحان شهادة (الكفاءة) فحكمت المحكمة بأنه يجوز للبنت المصرية أن تتعلم كالولد تماما.
وقد حملت (باحثة البادية) لواء الدعوة إلى تعليم البنت وتهذيبها وادخال بعض الاصلاحات في الحياة