للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[التجزئة بالقومية الضيقة: المصرية والفرعونية]

كانت حملة التجزئة بخلق القوميات الضيقة جزءا من خطة التمزق والقضاء على وحدة الفكر العربي الإسلامي وخلق وحدات فكرية اقليمية ضيقة تقوم على أساس المفاهيم المحدودة بحدود كل اقليم بحيث تصبح هناك نزعات وفلسفات ضيقة. مصرية وسورية ولبنانية وعراقية وتونسية ومغربية وهكذا، وقد تمثلت هذه المفاهيم في أساس أنه شخصية مستقلة منفصلة وتلغ هذا العمل مداه في معاداة مفاهيم الأقطار الأخرى، فمصر غير العرب ولبنان غير سوريا وتونس غير مراكش كما جرت محاولات للفصل بين كل قطر على أساس أن لكل قطر مقومات خاصة وعلامات مميزة فكرية وجنسية ونفسية، وان كل قطر شعب، وكل اقليم له جنس وحضارة وماضى وتراث وكانت كل هذه المحاولات مصطنعة مفتعلة حيث كانت الأمة العربية منذ قرون "متحدة" في فكرها ومقوماتها تتلاقى جميعا يترك مشترك وتاريخ واحد ولغة واحدة.

وقد كانت دعوة التجزئة بالقومية الضيقة أقوى ما تكون في مصر، ذلك لأن مصر سقطت في يد الاستعمار منذ ١٨٨٢ مبكرة عن الوجود العربي كله ماعدا الجزائر، ولذلك كانت عملية الغزو الثقافي لعزلها عن الوحدة العربية بعيدة المدى، وكانت عملية تغربتها وردها إلى ماضيها القديم الساتق على ماضيها العربي باسم احياء مجدت والتغنى بعظمة الأهرام وأبو الهول التي لا مثيل لها في العالم.

وقد ارتبطت الدعوة إلى القومية المصرية الضيقة بالدعوة الفرعونية واحياء ماضى مصر القبطى. وقد حشد الاستعمار لبث دعوة الفرعونية كل القوى: فكانت الصحف التي تسير في ركابه تدعو كل يوم دعوى الفرعونية وتربط مصر الحديثة لماضيها القديم وتتحدث عن الحضارة الفرعونية كما تبرع روكفلر بعشرة ملايين دولار لانشاء متحف للآثار الفرعونية في مصر ومع ذلك الجهد المبذول فقد ظلت الدعوة الفرعونية غامضة، حيث لم يكن هناك تراث فكرى حقيقى يمكن أن تقوم على أساسه الدعوة.

وكان من أبرز الأخطاء تجاهل الحقيقة التي تقوم على أن الفرعونية عصرا من العصور وليست جنسا من الأجناس.

وظن البعض أن الهدف أن تحيا مصر اليوم حياة مصر منذ خمسين قرنا مضت، تعيش كما كان الفراعنة يعيشون. أو احياء الفرعونية في الفن والأدب أو ترك الدين الذي ندين به للغابية أو اللغة التي تكتب بها.

وقد قيل في مجال خلق المقارنة أن الغرب ليستطيع اقامة حضارة قوية الدعائم الا بعد أن وصل بينه وبين حضارة اليونان والرومان.

وعارضت صفوة المفكرين أن يكون الفن المصري فرعونى، لأن الفن الفرعونى انما هو فن وثنى قائم على التهاويل والأساطير والخرافات.

ووحد الفكر العربي الإسلامي أن الفرعونية لا تتمشى مع روح العصر، اذا لم يكن لها ثقافة، وأنها توقفت منذ ظهور الإسلام وجمدت، وفصل بيننا وبينها تاريخ اجابا الفعالية قوامه: اللغة العربية والإسلام.

<<  <   >  >>