[تدهور الحضارة]
وقد أجمعت آراء الباحثين على أن الحضارة الغربية مشرفة على عهد انحطاط وتدهور وفناء, كما اشار اشبنجلر في كتابه (احتضار العرب) وقال ان الحضارة العربية قد أجديت وأفرغت جمعيتها.
وقال ليونارد ولف (مقتطف أبريل ١٩٣٤) انه قد جرت محاولات ضخمة لمقاومة هذه الحضارة, اهمها ما قامت به الهند احياءا لحضارتها الهندية القديمة. وقال: أن حركة التجديد في تركيا انما كانت تهدف إلى التحرر من العبء الاقتصادى والسياسى الذي لحقها من الحضارة الغربية".
وقد عدد الباحثون مظاهر الانهيار في الحضارة الغربية متمثلة في "العنصرية" التي تنادى بسياسة القوة و "الدعوة الجرمانية" ممثلة في فلسفة نيتشه وتطبيق الولايات المتحدة لسياسة الحاجز اللونى في طوائف الهنود وفي جنوب أفريقيا (وفى الولايات المتحدة ١٣ مليونا من الزنوج الأفريقى الأصل, يعاملون أسوأ معاملة) واضطراب ولسون بين اعلان المبادئ الثلاثة عشر في حق المصير, ثم تأييده الحماية على مصر, والفلسفات المنحلة المادية والاتجاه نحو الجنس, وغلبة المدرسة السريالية بعد الحرب الأولى تحمل بذور الحيرة والقلق والحقد والثورة, وظهور المدرسة الوجودية بعد الحرب الثانية للأعصاب المنحلة, ودعوة اخضاع الآداب العامة إلى الاقتصاد, وأن الحوادث الكبرى في التاريخ ترجع إلى أزمات قامت في نفوس الأفراد.
كما اكد الباحثون تعصب الحضارة الدينى والذهبى وقالوا أن الثقافة الأوربية لم تتخلى قط عن نصرانيتها وتعصبها. وأشاروا في هذا إلى تصريح ناظر معارف هولندا في مؤتمر المستشرقين ١٩٣١ في لندن حين قال: أن هولندا لم تذهب إلى الشرق لأجل التجارة بل لنشر حسنات الدين المسيحى.
كما صرح وزير الخارجية الألمانية بأن ثقافة ألمانيا مبنية على الدين المسيحى. ويتصل هذا بما تظهره دول أوربا من مظهر لادينى في الثقافة والحكم, بينما تتعصب تعصبا واضحا للمسيحية في المراسم الدينية وحفلات الكنائس وأسماء الأحزاب وامداد البعثات التبشيرية والارساليات بالاعتمادات الضخمة والدعاية.
هذه هى صورة الحضارة الغربية في مذاهبها وعقائدها التي حاول الغرب أن يعرضها في حملة الغزو الثقافي والسياسى والعسكرى على العرب وأن يفرضها, بينما لم يصل هو بعد إلى نظام أو عقيدة أو (طوبيا) صالحة لاقامة مجتمعه, وهو في خلال هذا الاضطراب بين العقائد والنظم والنظريات التي لم تحقق أى نجاح, يحاول أن يغزونا بها, واتخذ عنا نحن لها حينا اعتنقنا بعض هذه المذاهب ودافعنا عنها وتحمسنا لها وظهر منا كتاب يدعون إلى نقلها نقلا كاملا, دون أن يفكروا في فوارق التفكير والزمن والبيئة والدين والثقافات, فكان هذه الاضطراب العنيف الذي أصاب الفكر العربي الإسلامي, وأصصابه بالزلزلة العميقة, وأقام فيه جوا عنيفا من الصراع الطويل حتى امكن أن يتم التغلب على نظرية (النقل) وأبدالها بكلمة (الاقتباس).