للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

-٥ -

تيار القومية العربية

تعد الوحدة العربية من أهم معارك "التحدى والاستجابة" التي عرفتها الأمة العربية في مواجهة حملات الغزو السياسى والفكرى التي فرضها الاستعمار على الأمة العربية وهى من ناحية أخرى محاولة للتجمع في كيان واحد لمواجهة الاستعمار الغربى. غير أن عوامل مختلفة حالت دون بلوغ هذا التيار غايته، أهمها:

تعذر صهر المنطقة في وحدة سياسية كاملة في وقت قريب.

تحول كبرى الدول الإسلامية وهى تركيا عن التيار الإسلامي إلى التيار القومى حيث حمل "الاتحاديون" الذين خلفوا السلطان عبد الحميد لواء الدعوة إلى الجامعة "الطورانية" وقد بلغت هذه الدعوة مرحلة العنف والتطرف حين اتجهت إلى فكرة تتريك عناصر الدولة العثمانية ومن بينها العرب.

هنالك برزت دعوة الوحدة العربية في حركة دائمة لمقاومة هذه المحاولة التي أريد بها القضاء على الكيان العربي، أن تيار الفكرة العربية كان قائما منذ أمد بعيد وان كان قد انطوى ثمة بعد انتفاضة صلاح الدين الأيوبى.

والحركة الوهابية على ما تحمل من طابع دينى كانت دعوة الاستقلال، تهدف إلى تحرير المنطقة من غير الامبراطورية العثمانية وذلك تحت ضغط أحداث النفوذ العثمانى وانحراف السلطة في اتجاهتها الفكرية والسياسية عن المعالم الواضحة التي عرفها العرب في خلال تاريخهم الطويل، ثم كانت حركة محمد على التي قضت بفصل مؤتمرات السياسية على الحركة الوهابية وكانت-أى حركة محمد على- في ذاتها انفصالها بالعالم العربي عن تركيا العثمانية، هذا مع ملاحظة أن الحركة الوهابية لم تأخذ طابعا قوميا عصريا واضحا، وأن حركة محمد على كانت قائمة أيضا على

الطمع الشخصى دون هدف عربي واضح، ولقد كان للتيار القومى الذي غمر أوربا في هذه الفترة أثره في الاتجاهين التركى والعربي، كما كان له أثره في اتجاهات القومية الضيافة (الأقليمية) التي ظهرت بعد الحرب العالمية الأولى-مما يدخل في المرحلة التالية من كتابنا- غير أن الدعوة إلى القومية العربية ارتبطت بعد ذلك باليقظة الفكرية التي سادت العالم العربي، وتركزت في الشام (سوريا ولبنان) واحتضنها أول الأمر العرب المسيحيون الذين تأثروا بالثقافة الغربية عن طريق الجامعات الأمريكية والفرنسية التي قامت في لبنان والتي حملت لواء الدعوة إلى الوحدة العربية ارتبطت بعد ذلك باليقظة الإسلامية وتمزيق كيان الامبراطورية العثمانية.

ومن أجل هذا كانت الوحدة العربية تيارا فكريا أكثر منه تيارا سياسيا، ذلك أنها اعتمدت أول ما اعتمدت على مقاومة تيار القضاء على اللغة العربية، والتاريخ العربي، ومعالم التراث العربي والبطولات والاعلام العربية حين اتجهت تركيا إلى تغليب اللغة التركية في المدارس والمحاكم والثقافة واستعادة أمجاد جنكيزخان وتيمورلنك ومحو أسماء أبطال العرب التي تحملها الشوارع والميادين وتغييرها بأسماء أبطال التتار والمغول.

ولذلك كان تيار الوحدة العربية في مطالعة يعمل على احياء تراث الأجداد والكشف عن الصفحات التي علاها التراب من البطولات واستغل الأسلوب الغربي في البحث العلمى لابراز هذه الجوانب مما أوقد جذوة الايمان بالشخصية العربية، وكشف للعرب عن معالم تاريخهم الناصع الملئ بالبطولات العديدة ومواقف الكفاح فضلا عن عمليات الصقل التي جرت للاسلوب العربي بتخليصه من الزخرف والاتجاه بالمضمون إلى المعانى الموضوعية، هذا مع ضرورة الاشارة إلى ظاهرة تحويل هذا التيار فيما بعد نحو التغريب كمحاولة التشكيك في مقدرات العرب والمسلمين.

<<  <   >  >>