وقد كان العرب يهدفون في هذه الفترة إلى الاحتفاظ بكيانهم واضح الاستقلال في ظل السلطة وهو ما اطلق عليه "اللامركزية".
بلغ هذا التيار قوته حينما اعتبر الحضارة الإسلامية والفكر الإسلامي القديم كله تراث عربي يمكن أن يفاخر به المسلم والمسيحى العربي وكان هذا مدعاة لأن تنقل الكنائس الكاثوليكية العربية صلواتها إلى اللغة العربية كما نقل الانجيل إلى اللغة العربية وتحررت الكنيسة العربية من سلطة الكنيسة اليونانية وكان أول بطريرك عربي هو المطران دومانى ١٨٩٩.
وقد كان هذا الاتجاه واضحا حيث حمل هذا التيار في هذه المرحلة لواء القومية فربط بين المسلم والمسيحى في العالم العربي وأطلق الدعوة إلى القومية من الدين باسمه مع اعتبار التراث الروحى أساسا للوحدة والعمل على مزج عنصرى الأمة وقد بدأ هذا المعنى واضحا في مؤتمر باريس ١٩١٤ الذي عقده العرب (السوريون واللبنانيون) واشترك فيه العراق.
٢ - تأثر الفكر العربي الإسلامي بتيار الوحدة العربية في مجال الجمعيات والتبليف والصحف فكانت حاقة طاهر الجزائرى في دمشق (١٨٨٠) وحلقة محب الدين الخطيب (١٩٠٣) وقد جمعت هذه الحلقات صفوة المتعلمين والنبغاء والمفكرين العرب. كما انتقل هذا التيار إلى استانبول نفسها وحمل لواءه: محب الدين الخطيب وعارف الشهابى وديعا اليه شباب العرب فيها.
وقد استهدفت هذه الجماعات تعريف العرب بأنفسهم وتاريخهم وقوميتهم ويعزو محب الدين الخطيب إلى هذه الحلقات الفضل على جميع الحركات الفكرية والسياسية والتحريرية في الشرق. فهى التي أرست القواعد الأولى للفكرة العربية في ظل الحكم التركى المطلق وهى التي أشعرت العرب بشخصيتهم وأنارت طريق الثورة على الظلم والاستعمار.
٣ - تأثر الفكر العربي بتيار القومية العربية، فكان أول كتاب في الدعوة إلى القومية هو "يقظة الأمة العربية في آسيا" صدر عام ١٦٠٤ بقلم نجيب عازورى الذي دعا إلى توحيد الكنائس الكاثوليكية تحت اسم الكنيسة الكاثوليكية العربية وانفصال الولايات العربية عن الدولة العثمانية على أن يكون الحجاز مقرا لخلافة إسلامية عربية. وأن تتكون من العراق وسوريا ولبنان وفلسطين دولة عربية موحدة عصرية. كما أصدر مع جماعة الفرنسيين مجلة (استقلال العرب) ١٩٠٨.
ويلاحظ هذا ضرورة التفرقة بين حكم السلطان عبد المجيد وبين حكم الاتحاديين منذ ١٩٠٨.
٤ - وكان المؤتمر العربي في باريس (١٧ حزيران ١٩١٣) مقننا لفلسفة القومية العربية فقد أبرز ضمان تمتع العرب بحقوقهم السياسية وذلك بالاشتراك في الادارة المركزية للمملكة اشتراكا فعليا. وفيما يتعلق بالفكر العربي فقد نص على أن تكون اللغة العربية معتبرة في مجلس النواب، وأن يقرر المجلس كون اللغة العربية لغة رسمية في الولايات العربية. وأشار الأعضاء إلى بعد الحركة العربية عن الغايات الدينية واعتبار المسلمين والمسحيين أفراد أمة واحدة هى (الأمة العربية) وقال عبد المجيد الزهراوى أن الرابطة الدينية لم تتمكن من تحقيق "الوحدة السياسية" كما أكد أحمد طبارة أنه يعنى بالعرب كل ناطق بالضاد لافرق في ذلك بين المسلمين وغير المسلم. وكان هذا الفهم خاطئا تماما.
وصور عبد الغنى العريسى فلسفة القومية العربية بقوله:
هل للعرب حق جماعة. ان الجماعات في نظر علماء السياسة لا تستحق هذا الحق الا اذا جمعت على رأى علماء الالمان وحدة اللغة ووحدة العنصر وعلى رأى علماء الطلبان: وحدة التاريخ ووحدة العادات وعلى مذهب سياسة الفرنسيين: وحدة المطمح السياسى، فاذا نظرنا إلى العرب من هذه الوجوه الثلاثة علمنا أن العرب تجمعهم وحدة لغة، ووحدة تاريخ، ووحدة عادات ووحدة مطمح سياسى، فحق العرب بعد هذا البيان أن يكون لهم على رأى كل علماء السياسة دون استثناء: حق جماعة. حق شعب. حق أمة.
نحن عرب قبل كل صبغة سياسة. حافظنا على خصائصنا وميزاتنا وذاتنا منذ قرون عديدة-رغما عما كان ينتابنا من حكومة الاستانة من أنواع الادارات، كالامتصاص السياسى، أو التسخير الاستعمارى، أو الذوبان العنصرى، فكل ما تذرعت به الاستانة من الوسائل لم يؤدى إلى غير نتيجة واحدة: وهو الحرص على مكانة حق الجماعة واحياء هذا الجس الشريف النبيل، حس الجنسية، فاقتفاء الماضى نقرر مناهضة كل ما يؤول إلى اضعاف هذه القومية والتذرع بكل ما في حياة خصائص العرب وميزات العرب فنحن كتلة حية قائمة بذاتها وخاضتها لا تدع قوة تمس هذا الركن الركين