-٣ -
سيطر الاستعمار على أقطار الوطن العربي بواسطة أربع قوى: الملوك، المعتمدون، المعتمدون غير الرسميين، العملاء، والأحزاب، الأقلام والصحف.
(١) الملوك: أما الملوك فقد كانوا دائما أدوات استعمارية صالحة، ففى مصر مثلا ادعى الانجليز أنهم احتلوا مصر لحماية عرش الخديو. وقد كان الملوك والسلاطين والخديويين في الوطن العربي في خدمة الاستعمار. وأسقط الاستعمار كل الملوك الذين عملوا لمقاومته، كما حول الآخرين إلى صفة كما فعل بالخديو عباس الذي احتضن الحركة الوطنية فلما أرسلت له بريطانيا المعتمد البريطانى "ونجت" بسياسة الوفاق أعطى ظهره للحركة الوطنية وقاومها.
ولقد قاوم الاستعمار أى انحراف في الملوك سواء أكان لرفض تعيين رئيس وزراء معين كما وقع في حادث ٤ فبراير ومحاصرة قصر عابدين بالدبابات أو على النطاق الوطنى الحر كما فعلت فرنسا مع الملك محمد الخامس الذي ظاهر حركة التحرير في بلاده فأجبره الاستعمار على النفى ثم اضطر إلى اعادته تحت ضغط قوة المقاومة الوطنية.
وللملوك والسلاطين قصة، فقد تعاقدت بريطانيا مع عشرات منهم في الجنوب العربي على نحو ذليل يعطى لبريطانيا الحق في فرض سلطانها على كل شيء في مقابل مرتبات قليلة وارتباط بالاستعمار البريطانى مدى الحياة.
وكان موقف بريطانيا من الشريف حسين غاية في التآمر والخداع، فقد تفاهمت معه بواسطة مندوبها مكماهون في مصر على الانفصال عن الأتراك والانضمام لها في مقابل اقامة دولة عربية بعد انتهاء الحرب. ثم تبين بعد اعلان الثورة خداعها له فاذا ما انتهت الحرب تفكرت لوعودها، فاذا ما اختلف معها الشريف حسين ورفض قبول "وعد بلفور" أغروا به الملك عبد العزيز آل سعود الذي اجتاح الحجاز وأسقط مملكة الهاشميين.
وقصة الملك فيصل ملك سوريا ثم ملك العراق معروفة، فقد أذعن الملك لانذار القائد الفرنسي" غورو" وحل الجيش السورى فلما تحركت القوات الفرنسية لاحتلال دمشق هرب وترك الوطن يقاسى عقوبة الاستعمار القاسية بدون مقاومة.
ثم رشحه الاستعمار لعرش العراق وهيء له السبيل وأبعد أهل البلاد الأصليين - وكان في ذلك انما ينقل الملوك من قطر إلى قطر كقطع الشطرنج، فلما وصل إلى العراق كان المعتمد البريطانى يرسى كوك هو الحاكم الحقيقى وقد سئل جلالته في أن ينشيء جامعة في بغداد فكان اعتذاره صورة لفهم الملوك لمكانهم من الاستعمار حيث قال: أننى موظف في الحكومة البريطانية برتبة ملك .. وقد رأى كيف أذل الاستعمار والده الملك حسين حين رفض الموافقة على وعد بلفور وأغرى به الملك سعود ليحتل ملكه فقبل التفاهم مع "وايزمان" ممثل الصهيونية وأعلن في تصريحات له بأن فلسطين تقبل اليهود اخوانا للعرب بها!
وقد تنبه الاستعمار للجيل القادم من الملوك ففرض تعليم أولياء العهد في بلاده. وقد اضطر الملك فؤاد أن يسلم ابنه لتربية بريطانية، وكذلك فعل مع فيصل بن الملك غازى والملك حسين بن طلال. وكذلك فعل الاستعمار الفرنسي.
٢ - المعتمدون: اختارت بريطانيا وفرنسا لسيطرتها على أقطار العالم العربي معتمدون مدربون غاية في المكر والدهاء. كان أبرزهم كرومر في مصر وليوتى في المغرب وغورو في سورية وولكوكس في العراق وجلوب وصمويل في الأردن وهور في فلسطين وغردون في السودان وجزريانى في ايطاليا.
ولقد قام هؤلاء وعشرات غيرهم بدورهم في دعم الاستعمار وتأكيد الغزو الثقافي وارتبط تاريخهم بأسوأ أعمال الاستعمار، فكرومر صاحب دنشواى وجزيريانى قاتل عمر المختار وليونى صاحب دعوة فرنسة العرب في المغرب وتجنيسهم وقام كرومر في مصر بدور ضخم في بناء أسس الاحتلال وكان نهجه التدخل الانجليزى في كل فرع من فروع الادارة المصرية ورسم خطة انسحاب الجيش