وهكذا تحولت مفاهيم السياسة إلى احتقار الدعوة الوطنية الخالصة، وتغليب روح التفاهم مع الاستعمار وخلق جو من "الصداقة" بين الاستعمار والحكام.
ولكن الشعب ظل على عدائه لهم جميعا، فقد كان معروفا أن القوى الثلاث: الملوك والحكام والانجليز يسيرون في خط واحد يرسمه الاستعمار نفسه فالاستعمار هو الذي يحمى العرش ويفرض الوزراء ويغيرهم.
وقد تكثف "نقل" الأنظمة الغربية الديمقراطية في الحكم عن نتائج فاشلة، حيث كان البون شاسعا بين مدى صلاحية هذه النظم للوطن العربي وقيامها على أساس غير سليم هو بقاء جيش الاحتلال وسلطان المعتمد البريطانى وسلطة الملك.
ولم تكن هناك غير قوة واحدة هى قوة "الشعب" التي تبددت وراء انقسامات الأحزاب وصراعها وتحولت عن مفاهيمها الأولى الصادقة الايمان بالحرية والوطنية إلى المنفعة، وتحصيل مكاسب الحكم مما أدى إلى الانهيار في مفاهيم القيم وغلبة روح الأنانية والانعزالية، وظهور طبقة جديدة من الحكام المترفين الذين انفصلوا عن الشعب واستغلوه وحكموا باسمه ولحساب مطامعهم، ولقد كانت قوة الشعب تستعيد مراكزها في المقاومة على فترات متباعدة فتتجه إلى عمل من أعمال المقاومة فاذا حصدها رصاص الانجليز وساقها إلى السجون توقفت ثمة حتى يتجمع مرة أخرى لمعركة جديدة. وظلت هكذا بين القوة والضعف والاقدام ولكنها لم تمت.