لما كان الأزهر هو أداة الإسلام وبوتقته فقد حرص الاستعمار في أن يوجه الية أعنف حملة وجهها في معركة الغزو الثقافي كمحاولة للقضاء عليه كمعقل من معاقل الإسلام واللغة العربية، وعاملا من عوامل الجمع الوطنى والقيادة الشعبية. ولم ينس الاستعمار أنه كان مركزا ضخما من مراكز المقاومة للاستعمار الفرنسي ١٧٩٨ والاستعمار الانجليزى في ثورة ١٩١٩، كان بواقة الحركة الشعبية التي قاومت ظلم الحكام والأمراء والمماليك في عهد إبراهيم ومراد ثم في عزل الوالى خورشيد.
ولما كان الاستعمار حريصا على القضاء على كل ما يتصل بالدين واللغة والتاريخ من مقومات الفكر والشخصية العربية الإسلامية فقد كانت الحملة على الأزهر خفية مستترة لها طابع دقيق حتى لا تثير ثائرة الشعب، وقد استطاع الاستعمار بأساليبه الماكرة أن يدير المعركة من الداخل وأن يركز على التعليم المدنى ويعزله عن الأزهر على نحو خلق ثنائسة التعليم. اقصى الدين عن التعليم المدنى. ثم اضطهد بواسطة كرومر ودنلوب كل المدرسين الأزهرين وأبعدهم عن المدرسة المدنية. بل أن هذا الاتجاه قد عمقه الاستعمار في محيط الحياة العملية حتى أبعد خريجى الأزهر عن جميع الوظائف في دواوين الحكومة.
وقد كان الصراع الداخلى في الأزهر هو اهم العوامل التي أوقفت خطة أصلاح الأزهر فقد قامت في الأزهر جبهتين هما: جبهة الاصلاح والتجديد والاجتهاد وعلى رأس هذه المدرسة الشيخ محمد عبده والجبهة الأخرى من جبهة التقليديين والمحافظين والمؤمنين بغلق باب الاجتهاد وابقاء الأنظمة القديمة في التعليم على ما هى عليه، لذلك قامت منذ أول القرن معركة متصلة بشأن تجديد الأزهر وأصلاحه وتنظيمه. وليس شك أن الاستعمار كان حريصا على تجميد الأزهر وأبقاءه على منهجه القديم لا يستجيب للزمن كوسيلة من وسائل أفنائه والقضاء عليه.
كما واجه الأزهر حملة أخرى من خارجه قام بها تلاميذه الذين اتجهوا إلى الدراسات الأوربية والغربية، واتصلوا بالمستشرقين والمبشرين وكانوا أشد عنفا وقسوة من الاستعمار عليه: أمثال طه حسين وزكى مبارك وعلى عبد الرازق.
وقد اتصل الاستعمار بالأزهر على نحو ما، حين ارتبط أعضاء هيئة كبار العلماء بالسفارة البريطانية والخديو والملك والأحزاب السياسية وكان الأزهر يوما ما أداة في هذا الصراع بين الملك والأحزاب.
وفي هذا ما أشار اليه المقطم (أبريل ١٩٢٦) من أن كبار العلماء وفي مقدمتهم أصحاب الفضيلة الأستاذ الأكبر شيخ الجامع الأزهر ورئيس المحكمة الشرعية العليا ومفتى الديار المصرية بعد أحياء ليلة القدر في جامع الرفاعى يتوجهون إلى دار المندوب السامى في الساعة العاشرة من مساء اليوم "اجابة لدعوة فحامه لورد لويد فيقضون السهرة في تلك الدار".
وقد كان ذلك مثارا لمعركة أريد بها تشويه سمعة الأزهر فقد كتب فكرى أباظة في الأهرام (٩/ ٤/عام ١٩٢٦) يقول "اذن من الساعة العاشرة حتى السحور سيمضى أصحاب الفضيلة العلماء السهرة في دار الوكالة البريطانية بعد جامع الرفاعى. أى انهم سيمضون ليلة القدر في دار الوكالة. "يعيش الإسلام يا علما" ليلة القدر ألتى هى خير من ألف شهر، والتي يتلى فيها القرآن وآصلى فيها الصلوات وتؤدى فيها العبادات سيمضيها أصحاب الفصيلة في دار حضرة صاحب الفخامة الحسيب النسيب الشريف اللورد لويد السكسونى البروتستانتى الأصلى.
كلوا هنيئا واشربوا مريئا بالله عليكم سادتى العلماء ليلة القدر في دار الوكالة البريطانية ولكن .. أذا رأيتم اللورد قد اضطر لشرب كأس من الوسكى حسب عادته "فصهينوا" أن الله يحب المصهينين يا علماء: أعربوا ما يأتى "رحم الله أمرأ عرف قدر نفسه".