للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[رأى فارس الشدياق]

أن الأمهات (١) في الشرق يربين أولادهن في الوساوس والأوهام والأضاليل فيقلن لهم مثلا أن العفريت أو الجن يترصدهم ويصاحبهم وأنهما يأتيانهم في الليل ويبطشان بهم، وأن القاء الماء على الأرض من غير دستور يحماهما على الغيظ وما أشبه ذلك فيربى الولد على هذه الأوهام هيوبا هلوعا مخلوع القلب. أما اذا كان الولد أنثى فانها لا تسمع من أمها الا اسم الزواج والطلاق وقصة فلان مع فلانة فتعتقد البنت بأن النساء لم يخلقن الا للزواج والطلاق، فما ظنك بصبى يربى بلا قلب، وبنت تنبت بلا عقل، فان قلت ان الأولاد تذهب الآن إلى المكاتب وتتعلم في الكتاب لا ينفى عنهم تلك الأوهام التي تحكيها عليهم أمهاتهم في البيوت واذا هم حفظوا كلام الله عن ظهر الغيب فما يفهمون معناه.

فعندى أن اهمال الولد من غير تربية أصلا خير من تربيته على هذه الأضاليل ويمكن أن يقال أن هؤلاء النساء معذورات على تربية أولادهن على الوجه الذي أقدم فانهن لا يعرفون غينه، وهو الذي الفنه وتعودون عايه، فلا غرو أن يعودن عليه أطفالهن، انما الذنب على الرجال حيث يتركون نساءهم على جهالة الجهل والغباوة. بل هؤلاء أيضا يظنون أن المرأة لم تخلق الا للفراش.

فأن (١) قلت أنه ليس عندنا كتب في العربية تصلح للنساء قلت هب مل قلته حقا ولكن اليس عند الافرنج كتب مختصة بالنساء والأولاد فلم نشترى منهم الخز والمتاع ولا نشترى منهم الحكمة والآداب؟ .

أما تعلم نساء بلادنا القراءة والكتابة فعندى انه محمود بشرط استعماله على شروطه وهو مطالعة الكتب التي تهذب الاخلاق وتحسن الاملاء فان المرأة اذا اشتغلت بالعلم كان لها به شاغل عن استنباط المكايد واختراع الحيل.

ان البنات في مصر والشام لا يعاشرون أحدا سوى الخوادم وأهل البيت أما أمهاتهن فلا يطالعهن بشئ من أمور الدنيا مخافة أن تنجلى الغشاوة عن ابصارهن فيعرفن ما يراد منها.

ولا يخفى أن البنات اذا كن جاهلات بالقراءة والكتابة وحسن الحاضرات وبآداب المجلس والمسائدة وغيرها فلابد أن تتعوض عن هذا الجهل بمعرفة الحيل والمكائد التي تتخذها وسيلة لما يرون ويطلبن. فأن البنت اذا اشتغلت بقراءة فن من الفنون أو بمطالعة الكتب المفيدة صرفها ذلك عن استنباط الحيل.

فالأولى عندى أن تشتغل البنت بأحد الفنون والعلوم النافعة سواء أكان ذلك عقليا أو يدويا.

وجهل البنات بالدنيا غير مانع لهن من معرفة الرجال واستطلاع أحوالهم-أما اذا كن تأدبن بالمحامد والعلم اللائق بهن فانهن يعرفن الرجال عن تبصر وتدبر.

***

[رأى رفاعة الطهطاوى]

ينبغى صرف الهمة في تعليم البنات والصبيان معا فتتعلم البنات القراءة والكتابة والحساب ونحو ذلك فان هذا مما يزيدهن أدبا وعقلا ويجعلهن بالمعارف أهلا ويصلحن به لمشاركة الرجال في الكلام والرأى، وليمكن للمرأة عند اقتضاء الحال أن تتعاطى من الأشغال والاعمال ما يتعاطاه الرجال على قدر قوتها وطاقتها فكل ما يطيقه النساء من العمل يباشرنه بأنفسهن, وهذا من شأنه أن شغل السنتهن بالأباطيل وتأوبهن بالأهواء وافتعال الافاعيل، فالعمل يصون المرأة عما لايليق، ويقربها من الفضيلة، واذا كانت البطالة مذمومة في حق الرجال فهى مذمة عظيمة في حق النساء، فان

المرأة التي لا عمل لها تقضى الزمن خائضة في حديث جيرانها، وما يأكلون ويشربون ويلبسون ويفرشون وفيما عندهم وعندها، وهكذا ...

أما القول بأنه لا ينبغى تعليم النساء الكتابة وأنها مكروهة في حقهن ارتكانا على النهى عن بعض ذلك في بعض الآثار فينبغى ان يكون ذلك على عومه، ولا نظر إلى قول من علل ذلك بأن من طبعهن المكر فتعليم القراءة والكتابة ربما حملهن على الوسائل الغير المرضية وأن الله تعالى لو شاء أن يخلقهن كالرجال في جودة العقل وصواب الرأى وحب الفضائل لفعل، فكأن الله تعالى خانهن لحفظ متاع البيت ووعاء لصون مادة النسل

<<  <   >  >>