للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

-٤ -

تيار الجامعه الإسلامية

يمكن القول بأن الدعوة إلى الجامعة الإسلامية, أو الوحدة الإسلامية, انما جاءت على اثر تغلغل النفوذ الاستعمارى في العالم الإسلامي, ومهاجمته لمقومات التفكير والعقائد وتغلغله في مجالات السياسة والاجتماع والاقتصاد, فكانت هذه الدعوة من عوامل الاستجابة للتحدى.

وقد جرت في عدة ميادين تختلف في غاياتها, ولكنها في مجموعها تهدف إلى توحيد العالم الإسلامي واعادة ربطة مرة أخرى بميثاق, أو هيئة أو خطة تحمل معنى المقاومة والمواجهة والتجمع لدرء الخطر.

ولما كان الاستعمار الغربي قد ركز على هذه المنطقة التي تضم العالم العربي والهند وأندونيسيا, وهاجم القيم والمعتقدات فقد رأى المفكرون ان هذا الغزو انما هو حملة صليبية مستأنفة في أسلوب جديد, مجاله العالم الإسلامي كله, وقوامه البقاء الطويل وتركيز القواعد الاستعمارية.

ولقد بدأ الغزو, بمهاجمة المعتقد الاغلب في المنطقة وهو "الإسلام" ظنا منه أن القضاء على العقيدة الدينية سيحقق للاستعمار تمزيق المنطقة وضمان البقاء الطويل, ولذلك أطلق مختلف أدوات الغزو الفكرى: من مستشرقين ومبشرين ودعاة ومفكرين وكتاب وصحف, وهذا هو السر في اطلاق عبارة "الجامعة الإسلامية" على هذا التنادى إلى التجمع, وقد اجتمع رأى المؤرخين على أن أحدا من مفكرى الإسلام لم يسبق إلى الجامعة الإسلامية قبل جمال الدين الأفغانى (١٨٣٩ - ١٨٩٧) وخاصة في فترة السنوات السبع التي قضاها في مصر.

وقد أخذ الغزو الفكرى في هذه الفترة لون الصراع بين الإسلام والمسيحية وركز الاستعمار هجومه على مقومات العقيدة, وحاول الصاق الاتهام بالتخلف وبأن ما وصل اليه المسلمون من جمود وضعف انما مرجعه الإسلام نفسه.

وقد دعا السلطان عبدالحميد في أواخر القرن التاسع

عشر إلى "الجامعة الإسلامية" في ظل الخلافة العثمانية وظن البعض حينئذ ارتباط دعوة جمال الدين بدعوة عبد الحميد. والواقع أن هناك فرق بعيد المدى بين دعوة "المصلح السياسى" للفكرة وبين دعوة "الحاكم" لنفس الفكرة تحت قيادته وسلطانه.

ذلك أن عبد الحميد كان يدعو إلى الجامعة الإسلامية مرتبطة بالخلافة وفرق بين الجامعة والخلافة فقد كان هدفها الاحتماء بالدول الإسلامية من وجه الغزو الغربي ومواجهته جبهه واحدة ومن أجل هذا أرسل عبد الحميد صيحته:

"يا مسلمى العالم اتحدوا"

فدعوة عبد الحميد قد انبعثت نتيجة احساس الدولة الثانية بخطر مهاجمة الدول الأوربية للأمبراطورية وكانت امكانيات الدولة قد أعطت الفكرة قوة عظمى للدولة العثمانية.

٢ - أما جمال الدين فقد كان مذهبه في الدعوة إلى الجامعة الإسلامية مختلفا أشد الاختلاف, كان جمال الدين يؤمن بالجامعة الإسلامية, كعمل فكرى سياسى واسع المدى يهدف إلى جمع كلمة العالم الإسلامي وتحريره من الحكام والأمراء المستبدين الذين يحولون دون الالتقاء في هذه الوحدة, كما يرمى إلى تحرير الوطن الإسلامي وتطوير المجتمع ورفع مستواه ودفعه في طريق النهضة. وكان جمال الدين يراها جامعة تقوم على الشورى وحق المسلمين في حكم أنفسهم. وقد تكلم عن الحاكم القوى العادل- وليس المستبد العادل كما تردد خطأ- وعند جمال: أن المسلمين من المحيط الأطلسى إلى المحيط الهادى أمة واحدة يمكن أن تجمعهم رابطة سياسية وفكرية واحدة.

وهو يرى ان ذلك ممكن التحقق على أساس الارتباط بالهدف والوسائل ولا يلتمس"أن يكون مالك

<<  <   >  >>