للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ما أسماه "الدين كما تركه لنا الائمة" مشيرا إلى "أن ما سوى ذلك من أمور الدنيا وعلوم الأعصر فلا علاقة للأزهريه" وكانت الحجة التي حمل لواءها دعاة المحافظة هو أن النظام الجديد من شأنه أن يهدم معالم التعليم الدينى في الأزهر ويحوله إلى مدرسة فلسفة وآداب تحارب الدين وتطفئ نوره.

وقد أيد الخديو أدخال العلوم الحديثة ورفض ما يسمى (بالاصلاح الدينى) وهو فتح باب الاجتهاد.

ثم لم يلبث العمل الجديد ان تميع لاختلاف مناهج التفكر بين مشايخ الأزهر في هذه الفترة، وقد كان الشيخان: سليم البشرى وعبد الرحمن الشربينى من أعداء النظام الجديد.

ثم لم يلبث الأزهريون أن ثاروا على النظام الجديد فصدر الأمر بالغائه عام ١٩٠٩ وكانت حجة الأزهريين أنه يلزمهم الامتحان في العلوم الحديثة ويأخذهم بكثير من التكاليف وقد أعيد النظام القديم ١٩١٠.

***

[الأزهر القديم والأزهر الجديد]

وتعد حركة الشيخ محمد مصطفى المراغى ١٩٢٩ هى المرحلة الثالثة لحركة الاصلاح التي دعا اليها الشيخ محمد عبده.

وتنصب دعوة المراغى على عنصرين أساسيين: (١) أصلاح الأزهر (٢) فتح باب الاجتهاد في الدين والعلم.

وقد لقى منهج الاصلاح الدينى من أنصار الجمود في الأزهر وخصوم الاجتهاد معارضة شديدة كما لقيها هذا المنهج قبل ثلاثة وثلاثين عاما (١٨٩٦ - ١٩٢٩).

وقد ركز المراغى في مذكرته التاريخية التي أعلنها في (٥/ ٨/١٩٢٨) على أن العلماء في القرون الأخيرة استكانوا إلى الراحة وظنوا أن لا مطمع لهم في الاجتهاد فأقفلوا أبوابه ورضوا بالتقليد وعكنوا على كتب لا يوجد فيها روح العلم وابتعدوا عن الناس فجهلوا الحياة وجهلهم الناس. وجهلوا طرق التفكير الحديثة وطرق البحث الحديث. وجهلوا ما جد في الحياة من علم وما جد فيها من مذاهب وآراء. فأعرض الناس عنهم ونقموا على الناس فلم يؤدوا الواجب الدينى الذي خصصوا أنفسهم له وأصبح الإسلام بلا حملة وبلا دعاة بالمعنى الذي يتطلبه الدين.

وفي الإسلام عبادات وعقائد وأخلاق. وفقه في نظام الأسرة وفقه في المعاملات مثل البيع والرهن وفقه في الجنايات.

وقد عرض الإسلام لعقائد لم تكن لأهل الأديان. وهوجم الإسلام أكثر من غيره من الديانات السابقة، هوجم من أتباع الأديان السابقة وهوجم من ناحية العلم، وهوجم من أهل القانون، لهذا كانت مهمة العلماء شاقة جدا تتطلب معرفة المذاهب قديمها وحديثها ومعرفة ما في الأديان السابقة ومعرفة طرق البحث النظرى وطرق الاقناع حيث يتطلب فهم الإسلام نفسه من ينابيعه الأولى فهما صحيحا وتتطلب معرفة فقهها وآدابها. والتاريخ العام وتاريخ الأديان والمذاهب وتاريخ التشريع وأطواره بتطلب العلم بقواعد الاجتماع".

وقد كان لذكرة الشيخ المراغى ضجة كبرى ففى الصحف وأوساط الفكر والاصلاح، وقد أقرت اجنة اصلاح الأزهر منهجه، ثم لم تلبث سلطة الاستعمار المسيطرة على جهاز الحكم أن أوقفت المشروع طويلا وأشبع أن الملك فؤاد رفض مشروع المراغى فقدم استقالته.

وتولى"الظواهرى" مشيخة الأزهر وكان له من قبل راى في اصلاح الأزهر يختلف عن رأى المراغى، ويقف عند أصلاح المناهج في تهذيب الكتب وطرق التدريس .. دون النظر إلى فكرة الاصلاح الدينى وفتح باب الاجتهاد في العلم والدين التي وقف الاستعمار دونها في مشروعى محمد عبده والمراغى، وتنفيذ مشروع اصلاح الأزهر على النحو الذي ارتضاه الاستعمار والملك فيما يتعلق بنظام المدرسة فحسب، فلما اعيد المراغى ١٩٣٥ أعاد نشر مذكرته ومشروعه غير أنه فيما يبدو لم يتحقق الجانب الخاص بالاصلاح الدينى، يقول عبد المتعال الصعيدى في كتابه تاريخ الاصلاح في الأزهر: "أن المراغى رأى بعد عودته للمرة الثانية مسالمة الرجعية في أرضاء مطامعهم في الوظائف وسار على نظام الظواهرى ولم يحدث فيه أى تغيير. وقد لقى من مناوأة أهل الأزهر ما لم يلقه في عهده الأول حتى خرج عليه بعض أنصاره" أ. هـ.

<<  <   >  >>