-٢ -
الدعوة إلى الوحدة العربية
كانت "الدعوة إلى الوحدة العربية" هى أبرز المعارك السياسية خلال ما بين الحربين، فقد حرص الاستعمار على القضاء على الفكرة والحيلولة دون قيامها وذلك باقامة النظم الاقليمية واذاعة الدعوات الانفصالية المختلفة. وقد كانت "البلاد العربية" خلال الحرب تتطلع إلى أن تصبح دولة قوية بعد انفصالها عن تركيا العثمانية ومؤازرتها للحلفاء على أساس وعود وعهود.
غير أن نهاية الحرب العالمية الأولى كشفت عن مؤامرة كبرى ذات شقين:
- تقسيم البلاد العربية إلى أقطار تحت الانتداب الفرنسي والبريطانى بمقتضى معاهدة (سايكس بيكو).
- اعلان تصريح بلفور بقيام وطن قومى لليهود في فلسطين ولم تلبث هذه الخطة أن قضت على الدولة الهاشمية في الحجاز وسيطرة السعوديين على الحجاز. ثم قيام عرشين هاشميين في العراق لفيصل وفي الأردن لعبد الله.
وقد حرص الاستعمار الانجليزى أن يحجب مصر عن "دعوة القومية العربية" التي كانت سوريا هى مقرها الأصلى وموئلها حيث قدمت شهدائها وضحاياها.
وكانت مصر قد تخلصت من سيطرة حكم العثمانيين منذ سقطت تحت الاحتلال البريطانى عام ١٨٨٢ وبذلك لم تشهد المعركة التي خاضتها الشام (بأجزائها الثلاثة: سوريا ولبنان وفلسطين) والعراق والتي كانت المصدر الأساسى لانفصال العرب عن تركيا.
وفي مؤتمر الصلح رفض سعد زغلول أن يندمج مع العرب بزعامة فيصل في سبيل الوصول إلى حق "تقرير المصير" وقال عن العرب أنهم أصفار وأن قضيته مصرية وليست عربية، وجرى عزل مصر عن العروبة والتركيز على أنها صاحبة المجد الفرعونى القديم، وأنها أم الحضارات العالمية وأن لها مركزا ممتازا بالنسبة للدول العربية: وجرى اتهام حملة لواء الوحدة العربية بأنهم أعوان الاستعمار البريطانى الذي تحاربه مصر، ويقول المازنى أن فشل ثورة ١٩١٩ يرجع إلى أننا أحطنا قوميتنا بمثل سور الصين وأن من خطل الرأى أن تنفرد كل واحدة من الأمم العربية بسعيها، وكان سعد زغلول أحد الرجال الذين أعدهم الاستعمار ليحملوا لواء الزعامة بعد الحرب العالمية الأولى وقد وصف الانجليز بأنهم خصوم شرفاء معقولون.
ومن الطبيعى أن مثل هذا الاتجاه من شأنه أن يحول دون قيام رابطة بين مصر والدول العربية في سبيل الدعوة القومية.
وقد ظلت مصر مركزا للدعوة إلى القومية العربية، كانت ملاذ كل المجاهدين الذين اضطهدوا في أقطارهم، وكانت قضية فلسطين في أول الثلاثينات أول عامل من عوامل الترابط والدعوة إلى الوحدة، وقد سجل مؤتمر القدس (ديسمبر ١٩٣١) أن البلدان العربية وحدة لا يتجزأ ولا تسلم الأمة العربية أبدا بتجزئتها وقد اشترك في المؤتمر مراكش والجزائر وتونس وطرابلس الغرب ومصر وسورية وفلسطين والعراق والجزيرة العربية.
وكانت مصر في خلال هذه الفترة معقد أمل الدول العربية لتتزعم هذه الحركة.
وقد تطورت فكرة القومية المصرية في مصر حتى وصفها ساطع الحصرى عام ١٩٣٦ بأنها "حالة تخمر اجتماعى عميق يدفعها نحو الفكرة العربية بقوة شديدة ويجعلها تشعر بواجبها الطبيعي".