للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والارتباط به واعتبار الاستعمار صلة حضارة وتمدين وليست صلة تسلط واستيلاء، مع اكبار ثقافة الغرب القائمة على أساس الإلحاد والاباحة والمادية والتنكر للقيم الروحية والانفصال تدريجيا من الشرق والعروبة. والنظر إلى التاريخ العربي نظرة الشك والتهكم. وبذلك يركز الاستعمار قواعده ويبقى إلى الأبد كما كان يطمع كرومر في مصر.

غير أن القوة الروحية والوطنية قد استطاعت أن تنفذ خلال هذا الضباب الكثيف، وأن تشق طريقها في مقاومة عزلاء من جميع أسلحة الاستعمار القوية الضخمة فكشفت عن خداع الاستعمار، وأظهرت خيانات الملوك والأحزاب وأعوان الاستعمار وعملائه، وتركت "ميسلون" في سوريا و"دنشواي" في مصر وأمثالها في السودان والمغرب جروحا دامية في ضمير البلاد العربية لم تلتئم، وقد ظلت تثير على الاستعمار وأعوانه روح السخط، وقاومت الصحافة الاستعمارية صحافة وطنية كانت أقلامها أشد ايمانا وصدقا. وأبعد أثرا في النفس العربية، وقد كانت كلمة الحق والكلمة الوطنية بعيدة الأثر في القضاء على القضايا الزائفة والأكاذيب وصنوف الخداع.

وفشلت كل معارك القضاء على اللغة العربية أو الدين أو التاريخ وتحطمت قضية اقامة صداقة بين البلاد العربية والاستعمار، وارتفعت الصيحات في كل مكان بالثورة على الاستعمار وأعوانه فاذا أخمدها الاستعمار، تحولت ال ضرام قوى يتصل بالشعب عن طريق الصحافة والكتابة والخطابة ويترتب الفرص ليتجمع جديد.

وفي شوارع مدن عربية كثيرة ارتفعت النداءات بخيانة الملوك وخيانة زعماء ظلوا سنوات طويلة يخدعون شعوبهم، وفي ميادين عامة وأمام مساجد مقدسة قتل ملوك ووزراء خانوا أوطانهم:

ولم يستطع الاستعمار أن يحمى أعوانه الخونة فحاسبهم الشعب. وفي ظروف كثيرة فرض الشعب سلطانه فمنع المستوزرين من تولى الحكم حتى تجاب مطالبه، واندفعت أيد حرة سوداء على الخونة فحررت الأوطان من كثير من العملاء.

وظلت هذه القوة الوطنية المؤمنة حية نابضة مهما حيل بينها وبين الظهور.

وحاولت الأقلام أن تبلغ كلمة الحق مهما حيل بينها وبين اعلانها فكانت النشرات والصحف السرية والكتابات الرمزية.

وكان لقضية فلسطين وخيانات ملوك العرب فيها أثرها الكبير في تاريخ روح الوطنية والدعوة إلى الوحدة في سبيل مقاومة الخطر.

وتنادت أجزاء الوطن العربي في شعرها ونثرها بالرغم من حواجز الاستعمار وخرج زعماء أبرار فطافوا أنحاء العالم يكشفون مظالم الاستعمار وينددون به. وتلاقت طوائف المسلمين والمسيحيين في مصر في وحدة وطنية، كما تلاقى العرب والبربر في شمال أفريقيا لمواجهة الاستعمار الذي كان يسعى للتفريق بينهما، وكشف الشعب خدعة الأحزاب السياسية وفشل النظم النيابية الغربية القائمة في ظل جيوش الاحتلال وسلطان المندوب البريطانى ولم تنطل كلمات المقطم والمقتطف على الشعب الذي كان يعرف حقيقة طريقه.

ووجد الفكر العربي من هذه المعركة حصيلة ضخمة وزادته قوته حياة وزادت معالمه قوة، وقد أفاد الفكر العربي من هذه المعارك أنه جدد نفسه، وأضاف لعمله دعائم جديدة في سبيل دعم خطته والانطلاق في طريقه محافظا على مقوماته متصلا بالحياة متطورا مع الزمن.

<<  <   >  >>