[صراع الثقافات الغربية]
كان للثقافات الغربية الثلاث (الفرنسية والانجليزية والأمريكية) أثرها في الفكر العربي الإسلامي المعاصر, وكان صراعها بعيد المدى, وذلك لأن لكل منها اتجاها وطابعا وأسلوبا مغايرا لأسلوب الثقافة الأخرى. لقد بدأت الارساليات الثلاث عملها في العالم العربي على هيئة الغزو, كان أسلوبها السيطرة, كانت تحمل لواء الدعوة الدينية اللاهوتية التبشيرية في أول الأمر ثم تحولت عنها إلى أسلوب التعليم الغربي بما يحمل من دعوة كل ارسالية الي تعزيز لغة دولتها وثقافتها.
وقد كان بين الارساليات الأمريكية والفرنسية تنافس واضح بعد منتصف القرن التاسع عشر في لبنان ومصر ثم لم تلبث الارساليات الانجليزية أن ازدادت قوة بعد احتلال مصر ودخلت في صراع عنيف مع الارساليات الفرنسية مما خلق مشكلة الصراع بين الثقافتين الفرنسية والبريطانية في مصر, أما في لبنان فقد ظلت الارساليات الأمريكية والفرنسية تتنازعان السلطان والدعوة للثقافتين السكسونية واللاتينية.
أما في المغرب العربي فقد سيطرت الثقافة الفرنسية سيطرة كاملة منفردة منذ بدأت تحتل هذا الجزء من الوطن العربي.
وعندما عاد رفاعة الطهطاوى وعلى مبارك في الأربعينات من القرن التاسع عشر كان شعارهما "نقل الوجوه الحسنة من مدينة الغرب ونبذ السئ منها" وقد تحول هذا الاتجاه من بعد في بعثات العشر بينات من القرن العشرين عندما ارتفع الصوت بالتغريب الكامل.
ولاشك أن الثقافة الفرنسية كانت ذات أثر منذ قدم نابليون إلى مصر وعندما توثق اتصال محمد على بفرنسا سياسيا وثقافيا واتجهت البعثات إلى فرنسا وتأثرت تركيا العثمانية بفرنسا بعد اعلان دستور الثورة الفرنسية بعد عام ١٧٨٩ مما وجه أنظار دعاة الاصلاح العثماني أمثال نامق كمال ومدحت إلى اقتباس النظم
الأوربية وخاصة الدستور الفرنسي, واتسع أمر المطالبة بالدستور فشمل تركيا ومصر وتونس.
فلما وقع الصراع بين دعاة الاصلاح من الاتحاديين في تركيا وبين السلطان عبدالحميد كانت فرنسا موئلا لهم ولما وقع الخلاف بين مصر وبريطانيا احتضنت فرنسا كل مقاومى بريطانيا فوردها جمال الدين ومحمد عبده وأصدرا بها جريدة العروة الوثقى ووردها دعاة القومية العربية وأقاموا بها مؤتمر باريس ١٩١٩ ووردها مصطفى كامل وكان ذلك جزءا من خطة الصراع الاستعمارى بين فرنسا وبريطانيا.
ولقد حرص دعاة الثقافة الفرنسية إلى الربط بين البلاد العربية وبين الثورة الفرنسية وقالوا أن الحملة الفرنسية هي بداية اليقظة في العالم العربي. ولطالما رددوا أن الثورة الفرنسية كانت ثورة (سياسية) لأنها انتهت بقلب نظام الحكم الملكى في فرنسا إلى نظام جمهورى (واجتماعية) لأنها ردت إلى العامة امتيازات الاشراف ورجال الدين ومحت الفوارق التي كانت قائمة بين طبقات الشعب الفرنسي و (اقتصادية) غيرت نظام الضرائب والرسوم الجمركية وألغت نظام الاحتكار ورفعت القيود التي كانت على الصناعات وانتزعت أملاك الكنيسة وجعلتها ملكا للأمة.
ولكن هل كان العرب في حاجة إلى مثل هذه الدعوة إلى الحرية والأخاء والمساواة وهل كانت هذه البادئ جديدة بالنسبة لثقافتهم وتراثهم. وان اعلان حقوق الانسان في ٢٦ أغسطس ١٧٨٩ قد وقع بالنسبة للعرب من قبل ذلك بألف عام.
والواقع أن اليقظة العربية بدأت بحركة محمد بن عبدالوهاب وهي حركة سابقة على الثورة الفرنسية وفيها كل معانى "النهضة" على النحو الذي عرفه المشرق, فاذا كانت عوامل الثورة الفرنسية قد نقلت الى