[الصراع بين اللغتين الفرنسية والانجليزية]
وقد كان صراع اللغتين في مصر من أبرز معالم الصراع بين قوى الغزو الثقافي والسيطرة والتبعية عن طريق اللغة والثقافة
وأحذت اللغة الانجليزية في السيطرة على مناهج التعليم منذ اليوم الأول للاحتلال غير أن نفوذ الثقافة الانجليزية ظل ضعيفا بعامل احتلالها للبلاد وكراهية أهل الوطن لها.
وقد أدهش بريطانيا بعد مرور نصف قرن أن مركزها في الغزو الثقافي ليس على النحو الذي يتفق من مكانها الاستعمارى في المنطقة وقد أبدى ولى عهد بريطانيا ملاحظته من ان نفوذ اللغة الانجليزية في مصر ما زال حصورا في دائرة ضيقة (يوليو ١٩٣٥) مع "أن لبريطانيا مركزا ممتازا في مصر منذ ١٨٨٢" وقال أن اللغة الفرنسية لاتزال تعتبر اللغة الرسيمة في التخاطب مع الاجانب وانتقد ذلك وقال أن المسئولية فيه ترجع إلى "تسامح" البريطانيين, وقال أن المسئولية فيه ترجع إلى "تسامح" البريطانيين, ودافعت الأهرام عن اقتراح الانجليز بالغاء دراسة الفرنسية من التعليم الثانوى فقالت (فى ١٤/ ٢/١٩٣٥) أن نشر الثقافة الانجليزية عن طريق تعلم لغتها انما كان ضرورة قضت بها ظروف ليست خفية, وأن المصريين لو تركوا وشأنهم لآثاروا الثقافة اللاتينية. وأن أكثر من نصف قرن من قيام هذه الضرورة لم تكف لزحزحة اللغة الفرنسية عن مكانها.
وعللت سر ذلك بأن هذه المظاهرة نتيجة لدوافع قوية مشتقة من طبيعة البلاد وحاجتها العلمية والاقتصادية وهى وقوع مصر في منطقة واحدة من البلاد اللاتينية يصلها بها البحر الابيض الذي طالما اسموه "البحر اللاتينى" .. وأن التشريع في الدولة وهو مظهر حياتها الاجتماعية مشتق من التشريع الفرنسي وقالت تقارير دعاة الثقافة الفرنسية (الأهرام-١٦/ ٣/١٩٣٥) أن اللغة الفرنسية في مصر لها وظيفة "خاصة" في تكوين أذهان التلاميذ. وأن اهمية الفرنسية لمصر انما مرده إلى أنها بلدا من تلاد البحر الابيض , وأن مصر اتصلت بالغرب عن طرق هذا البحر وأنه اذا كانت مصر ترغب في أن تكون على رأس بلاد الشرق الأدنى أو على رأس البلاد الإسلامية فيجب عليها أن تذكر أن سوريا ولبنان مثلا تحظى جميع الطبقات العليا فيها باتقان اللغة الفرنسية كذلك الحال في بلاد شمال افريقيا الإسلامية.
وفي الجانب الآخر اعلن انصار الثقافة الانجليزية في مصر أن اللغة الانجليزية لغة عالمية. والقى المستر باكستون محاضرة بالجامعة الأمريكية (١٩/ ١٢/١٩٣٤) ×××
قال فيها: أن من أهم مزايا اللغة الانجليزية سهولة تعلمها, وقال أن اللغة العربية لا تصلح لا تصلح له لغة بلاده. وقال أن كلمة TOENTER لا تفيد الدخول فحسب بل "تفيد الدخول والتوغل فى". وقال أن ما يقابل هذه الكلمة في اللغة العربية في كلمتين (يمشى فى) وغاب على اللغة العربية كثرة أصواتها ومترادفاتها ومثل لذلك بأن للأسد من الأسماء ما يزيد على مائة اسم وقال أن نفوذ اللغة الانجليزية يتوقف على نفوذ انجلترا في العالم العربي.
وقال كاتب آخر (الأهرام-٢١/ ٣/٥٣) أن اللغة الانجليزية في هذه السنوات الأخيرة تجرف أمامها في قوة وعنف جميع اللغات الدولية الأخرى حتى أصبح لزاما أن نسمعها في المؤتمرات والاجتماعات الدولية.
ويبلغ عدد متكلمى اللغة الانجليزية نحو ٥٠٠ مليون نسمة بينما يتكلم الفرنسية ٧٠ مليونا وتبلغ كلمات اللغة الانجلزية ربع مجموع كلمات اللغة الفرنسية فهى أسهل استظهارا وأقرب حفظا, ثم أن تصريف الأفعال فيها أسهل من تصريف أفعال اللغات الأخرى وأن مراجع اللغة الانجليزية في العلوم والفنون والسياسة هى أكبر مراجع اللغات جميعا.
وقد حدث هذا في نفس الوقت الذي أصدر فيه عن "عبدالسلام ذهنى" المستشار بالمحكمة المختلطة أحكاما باللغة العربية لأول مرة فهز العالم الغربي كله واضطربت فرنسا لأن المستشارين المصريين منذ انشاء هذه المحاكم في عهد إسماعيل لم يصدروا أحكاما بغير اللغة الفرنسية مع أن القانون يجيز اصدار الأحكام باللغة العربية. وقد رفض رئيس المحكمة اجازة الأحكام التي أصدرها عبدالسلام ذهنى وأوقف ارسال القضايا اليه وقد تبعه مستشارون آخرون فأصدروا أحكامهم باللغة العربية.
وقال الكثيرون: أن هذا الصراع بين اللغتين الفرنسية والانجليزية انما كان على حساب اللغة العربية, وان الحل الوحيد لوقف هذا الصراع هو احلال اللغة العربية محل اللغات الأجنبية المتحكمة في مرافق البلاد بحسبانها اللغة التي تستطيع "أن تتمتع بجميع عناصر القوة وتسلح بكل الأسس القامة والتي تكفل لها النصر على أيه لغة أجنبية في البلاد".
ثم اتسع نطاق الدعوة إلى احلال اللغة العربية في خطابات البنوك واللافتات ومختلف أعمال الشركات والمصالح.