ان الناس في مصر يخشون خطر الأزهر على الحياة العامة. ويقولون ان الأزهر اذا قوى واشتدت عزيمته يدخل في الحياة الاجتماعية فيكدر هذه الحياة اذ يحظر حرية الفكر ويقف حجر عثرة طريق الأفكار العلمية الحرة.
ومن جهة أخرى يحرم الناس ملاذهم وشهواتهم والحياة لا تحتمل ولا تطاق اذا سيطر الأزهر عليها بسلطان الدين.
-أما الحياة الفكرية فلا أظن بحال أن الأزهر خطر عليها لأن الأزهر يساير أسلافه من العلماء الأجلاء ومن الأئمة الذين كان عندهم من سعة الصدر ما أحتمل هذه المذاهب المتعددة.
والإسلام بطبيعته دين تسامح ومبادئه لم تعترف بالاكراه، وقد حمى الإسلام أديان تخالفه وحمى علماء الإسلام مذاهب غير صحيحة واجتهدوا أن يردوا عليها بالدليل.
فليس الأزهر من المعاهد التي تكره حرية الرأى والآراء العلمية ولكن الأزهر يكره شيئا واحدا هو تعمد الاستهزاء بالدين والأنبياء والأئمة ويكره أن يشكك العامة في دينهم. والنشئ في عقائدهم، أما الآراء العلمية في حدود العلم وفي دائرته فانها تدرس في المعاهد الكبرى دون أن يخطر ببال أحد أن يقاومها أو يقف حجر عثرة في سبيلها.
حرروا دينكم من كل ما غشيه. وخذوه من الينابيع الصحيحة خذوه من الكتاب والسنة وآراء السلف الصالح من الائمة" أ. هـ.
***
[تطور التعليم في الأزهر]
كان أخطر خطه خلقت الثنائية في التعليم هى: اتجاه محمد على انشاء المدارس المدنية منفصلة عن الأزهر ومن هذه النقطة بدأت هذه الأزمة التي استمرت طويلا حول التعليم الدينى والتعليم المدنى.
ذلك أن محمد على كان يخشى الأزهر على أثر الدور الذي قام به في مقاومة الحملة الفرنسية وسيطرة المقاومة الشعبية بقيادة علماء الأزهر وفرضها سلطانها في انزال الحاكم التركى خورشيد وتوليته، وقيامها بالسيطرة على الحكم عن طريق الدفاع عن حقوق الشعب ومطالبه، ودفع مظالم محمد على في رفع الضرائب وتسخير الشعب. ولذلك اتجه محمد على إلى القضاء على هذه الجبهة الشعبية والتخلص منها نهائيا. وكان تجميد الأزهر جزء من هذه الخطة، لذلك اتجه محمد على إلى انشاء التعليم المدنى والاستعانة في انشائه بالخبراء الفرنسيين الذين كانوا يؤمنون بضرورة القضاء على الأزهر كجزء من خطة الغزو الثقافي في محاربة الإسلام واللغة العربية.
فلما كان عهد إسماعيل ازدادت درجة التغريب والاتجاه إلى نقل أنظمة الغرب وقوانينه وتشريعاته، وقد أغلق إسماعيل الباب أمام التشريع الإسلامي اغلاقا تاما وأخذ بالتشريعات الغربية دون مراعاة مقومات الحياة الاجتماعية في الوطن العربي. وبذلك أزدادت عزلة الأزهر عن التطور والحياة.
وقد كانت علوم الأزهر قاصرة على علوم الدين واللغة كالنحو. الصرف والمعانى والبيان والمنطق ومصطلح الحديث والحساب والجبر والعروض والقافية وعلم الكلام والأخلاق والفقه والتفسير لم تحقق بعد حركة الشيخ محمد عبده ادخال علوم الحساب والطبيعة والكيمياء والهندسة والجغرافيا والعلوم العقلية والتاريخ وكان جمال الدين الأفغانى قد دعا إلى ادخال التاريخ في علوم الأزهر وقال: اذا بقيتم على جهلكم بالتاريخ فلا يمكنكم أن تعرفوا دينكم ولا نجاح لكم في دنياكم، وأكد أن قراءة التاريخ واجب من الواجبات الدينية وركن من أركان اليقين فلابد من تحصيله.
وقد احتال الشيخ محمد عبده في ادخال العلوم الحديثة حتى أنه أطلق على علم الطبيعة "علم خواص الأشياء التي أودعها الله في الأجسام" وقد تراجع الأزهر بعد الشيخ محمد عبده عن العلوم الحديثة حتى كانت حركة الشيخ المراغى التي حققت اعادة تنظيم الأزهر ونقله إلى نظام الجامعات الحديثة وتقسيم الدراسة العالية إلى ثلاثة أقسام يتمثل كل قسم منها في كلية، وهى الشريعة واللغة العربية وأصول الدين وأقسام أخرى للتخصص وقد شمل مشروع اصلاح الأزهر منهجا كليا واضح المعالم يضم
دراسة القرآن والسنة دراسة شاملة.
تهذيب العقائد والعبادات ونفى ما جد منها وابتدع.