وقد كانت مدرسة الحقوق أكبر مركز مقاومة ضد الاستعمار الانجليزى حيث تحولت إلى خلية من خلايا الوطن المصرى، لم تعدم مصر أمثال أحمد حشمت وزيرا للمعارف يقاوم الانجليز ويصطدم بالاحتلال اصطداما شديدا، وكان بينه وبين كتشنر ودنلوب معارك متعددة في هذا الصدد، وعندما تولى نظارة المعارف ١٩١٢ أعاد قلم الترجمة لتعريب الكتب واخذ في احياء أدب اللغة العربية وطبع الكتب العربية النادرة وبحث مشروعا لانشاء مجمع علمى أو أكاديمية لاحياء الآداب العربية يكون الغرض منها اصلاح اللغة العربية.
وقد أدخل علم الصحة في المدارس وأنشأ روضة الأطفال ومدارس التدبير المنزلى وفتح باب التأليف والترجمة للكتاب والمؤلفين.
وقد انزعج الاحتلال لهذه الخطوات وأسرع بنقله إلى وزارة الأوقاف لتجميد نشاطه وقد كان حشمت صورة مضادة لسعد زغلول.
وقد تركزت هذه المقاومة في ١ - معركة اللغة العربية ٢ - معركة تعليم الدين ٣ - تعليم الفقراء والمجانية.
***
[١ - اللغة العربية]
وقد بدأت هذه المعركة عام ١٩٠٦ وكان اول من طالب باصلاح التعليم على يوسف صاحب المؤيد حيث قدم اقتراحا في الجمعية العمومية بطلب عرض لوائح التعليم على الجمعية قبل اقرارها. واقترحت الجمعية العمومية على الحكومة ١٩٠٧ أن تجعل تعليم العلوم في مدارسها باللغة العربية أن تكون العربية قاعدة التدريس كما كانت قبل الاحتلال، ونص الاقتراح على "تعليم العلوم في مدارس الحكومة باللغة العربية مع ايجاد الوسائل الفعالة لايجاد الكتب العربية الصالحة في كل علم وفن.
وقد عارض سعد زغلول الاقتراح (وكان وزير المعارف الذي رشحه كرومر) فأظهر رغبته الشخصية في احياء لغة البلاد لولا ما يراه من العثرات في سبيل هذه الأمنية فهو يرى "أن الحكومة لم تقرر التعليم باللغة الأجنبية الا ليتقوى التلاميذ فيها وعليهم الاستفادة من المدنية الأوربية ويفيدوا بلادهم ويقووا على الدخول مع الأجانب في معترك الحياة".
الى أن قال: واذا فرضنا أنه يمكننا أن نجعل التعليم من الآن باللغة العربية وشرعنا فيه فعلا، فاننا نكون قد أسأنا إلى بلادنا والى أنفسنا اساءة كبرى، لأنه لا يمكن للذين يتعلمون على هذا النحو أن يوظفوا في الجمارك أو البوسطة أو المحاكم العديدة التابعة للحكومة ويقتضى نظامها وجود موظفين يعرفون اللغة الأجنبية جيد المعرفة ولا أن يستخدموا في بنك أو مصرف أو يشتركوا في شركة من الشركات التي كثر تأسيسها في البلاد ولا أن يكونوا محامين أمام المحاكم المختلطة ولا مترجمين ولا غير ذلك مما يحتاج إلى براعة في لغة أجنبية، واذا قطعنا النظر عن ذلك كله وأردنا أن نشرع اليوم في التعليم باللغة العربية اعترضنا صعوبات مادية هى قلة المعلمين الأكفاء الذين يمكنهم تعليم هذه الفنون باللغة العربية".
ثم ناشد الأعضاء "ألا يندفعوا في هذه المسألة وراء احساسهم" اذ لا فائدة من طلب تعلمون من الآن أنه لا يقابل بغير الرفض لاستحالة تنفيذه (الهلال -ابريل ١٩٠٧).
وقد بين المقاومون للتيار الاستعمارى التغريبى ومن بينهم جرجى زيدان نتائج التدريس باللغة العربية واللغة الأجنبية وكيف أن التعليم باللغة الاجنبية يؤدى إلى ١ - الضعف في اللغة العربية وآدابها ٢ - ضياع الجنسية العربية ٣ - انحصار العلم والتهذيب في الطبقة العليا وبقاء العامة على جهلهم.
***
[٢ - اللغة والجنس]
وقد جرت مساجلات متعددة حول اللغة العربية وقال خصومها: ماذا على المصريين لو استبدلوا لغتهم بالانجليزية مثلا كما حدث في الولايات المتحدة. فيمكن أن تذهب اللغة العربية وتبقى الأمة المصرية متحدة بالجامعة الوطنية وكانت هذه احدى دعوات التغريب.
وقد رد عليها جرجى زيدان (الهلال -أبريل عام ١٩٠٧) فقال أن الانسان ضنين بجنسيته حريص على قوميته مهما يكن شأنها من الضعف حتى الأمم الهمجية فكيف بالعرب وتاريخهم مجيد يوجب الفخر لن ينتسب اليه من أصحابه وذهاب اللغة ذهاب الجنسية فبقاء الأمة المصرية ولغتها انجليزية مثلا لا يضر أعقابها من أجيال عديدة اذ ينسون جنسيتهم القديمة ولا يعرفو الا الجنسية الجديدة.