للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد قامت مناهج التعليم والثقافة الاستعمارية على أساس تغليب لغة الدولة المستعمرة ومحاولة القضاء على اللغة العربية باعتبارها لغة غير أساسية أو بالاغضاء عنها أو تغليب اللغة العامية عليها. كما حرص على أن يوجه التعليم توجيها يقصد به تخريج الموظفين والعمال الذين تحتاج اليهم مصالح الحكومة.

فضلا عن أن نظم التعليم ومناهجه كانت تعمل على تأكيد قيام قوميات ضيقة أساسها التجزئة وتعميق هذه الدعوات بما يؤدى إلى فصل القطر الواحد عن العالم العربي من الوجهة الثقافية مع القضاء على التاريخ القومى والتراث الروحى والأمجاد الإسلامية والعربية المرتبطة بالمعارك ومقاومة الأعداء المغيريين وكذلك حجب تراجم الأبطال والقادة والأعلام.

وقد ارتبط هذا النظام بعقد معاهدات ثقافية تفرض فيها الدول الغربية على الدول العربية نظمها واتجاهاتها الهادفة إلى الاستعار التعليمى والثقافة وفرض استيراد أساتذة ومعلمين من البلاد المستعمرة يحملون أساليب التغريب، ومحاولة خلق روح الاعجاب بأدب وأمجاد وبطولات الدول المستعمرة وفرض تاريخ البلاد المستعمرة على الشباب العربي ومحاولة الايهام بوجود خلافات جذرية بين الدول العربية في الجنس والثقافة والموطن.

ومن هذا ما حاولته فرنسا في سوريا ولبنان وتونس والجزائر ومراكش من الدعوة إلى حضارة البحر الأبيض المتوسط وربط هذه الأجزاء العربية بالثقافة اللاتينية.

وفي المغرب: فرق الفرنسيون بين البربر والعرب وذلك بحرمان البربر من تعلم اللغة العربية وأحياء لهجاتهم القديمة بغية تمزيق الجبهة الوطنية.

وقد ارتبط هذا بتقييد السفر والتنقل بين البلاد العربية بقيود ثقيلة والحيلولة دون انتشار الكتب المطبوعة في البلاد العربية وتشجيع اللهجات واللغات المحلية لبعض الطوائف "لتبعيد" البلاد العربية بعضها عن بعض على حد تعبير ساطع الحصرى.

***

[تجربة مصر]

وقد كانت تجربة مصر من أقسى هذه التجارب:

١ - حول التعليم بعد الاحتلال إلى اللغة الانجليزية تدريجيا ولم يكد يحول عام ١٩٠٠ حتى كان التعليم في جميع المدارس العالية والثانوية باللغة الانجليزية فتدهور التعليم وعجز الطلبة عن اجتياز حلقات الدراسة لرسوبهم مرتين وثلاثا وأوقف "دنلوب" تأسيس المدارس الا في حدود العدد الذي يكفى لتخريج الموظفين. والغيت مواد العلوم من المدارس مثل التاريخ الطبيعى.

٢ - ألغيت "المجانية" في جميع المدارس (بأنواعها الثلاث) وحرم أبناء الفقراء من دخولها، وأعلن يعقوب أرتين وكيل المعارف وعميل الاستعمار ويد دنلوب في التنفيذ "أن وجود المجانية في المدارس في مصر أمر غير عادل".

وسجل كرومر هذا في تقريره سنة ١٩٠٠ فقال أنه في عام ١٨٧٩ كانت نسبة المجانية في الحكومة ٩٥% أما في السنة الماضية (١٨٩٩) فان نسبة الذين يدفعون مصروفات مدرسية كانت ٥/ ٩٨ في المائة وفي المدارس الثانوية ٨٦% وأنا واثق من أن هذه السياسة ستظل متبعة بثبات حتى تلغى طريقة التعليم المجانى كلية أو تكون في حكم ذلك. وسجل في تقريره ١٩٠٤ أن تلميذا واحدا فقط يتعلم الآن في المدارس بالمجان.

***

[الرد على مؤامرات الاستعمار في التعليم]

٣ - استبعد التعليم دراسة التاريخ القومى. ووضعت المناهج بصورة عملت على هبوط مستوى التعليم الثانوى بحيث أصبح يعادل مستوى التعليم الابتدائى في فرنسا (من مذكرة ناظر مدرسة الحقوق المصرية الفرنسي).

وبلغ جملة ما أنفق على التعليم خلال ٢٥ سنة من عهد الاحتلال ٢.٨٠٠.٠٠٠ جنيه من ميزانية بلغت ٢٥٨ مليون جنيه أى بنسبة واحد في المائة.

وقد نقص عدد المدارس بعد الاحتلال بنسبة الربع، كما نقص عدد تلاميذ المدارس. كما جمد الاحتلال (التعليم الدينى) الذي كان قائما على الثقافة الدينية وتخريج طائفة من المعلمين والفقهاء في القرى بما في ذلك الأزهر الشريف.

<<  <   >  >>