للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والاكتفاء بنشر غمامة كثيفة من الغموض والتشكيك والآراء المتناقضة وذلك في محاولة ضخمة لاعطائنا الصورة المظهرية دون الصورة الحقيقة للثقافية فقد قاوم الاستعمار التعليم الشامل لوجه الثقافة ووقف في وجه انشاء الجامعة المصرية.

وحاول أن يجعل هدف التعليم قاصرا على اخراج موظفين وليس لتخريج علماء وباحثين.

كما قدم في ميدان الحضارة أسوأ ثمراتها في تجارة الرقيق الأبيض والكحول ومواد الزينة واللهو وهى الأجهزة التي تمكن الغرب بها من القضاء على مقومات شخصيتنا والاستيلاء على أموالنا.

ولقد ظهر واضحا اثر هذا "التغريب" في الأقطار التي تحررت من بعد وكسبت الاستقلال، فقد ظلت خطط التغريب قائمة في كل ميادين الفكر والصحافة في خلق طبقة من المفكرين ورجال الدولة الذين انصهروا في بوتقة التغريب فآمنوا بهذا الاتجاه ودافعوا عنه، وكان ذلك باسم التمدين وباسم العهد التي قطعته الاتفاقيات والمعاهدات بأن نسير سيرة الأوربيين في انظمة الحكم والتعليم والثقافة وقد اتخذ "الغزو الثقافي" في سبيل فرض "التغريب" وسائل متعددة، فالكتب التي تترجم هى كتب معينة تعين على حماية الاستعمار ودعم مركزه وتصورنا بصورة القصور والتخلف. وتصور أوربا والغرب بصور الأمم العظيمة ذات القوى الجبارة وقد كانت هذه الكتب دائما من النوع الهدام الذي يهدف إلى الفتك بالدين والأخلاق وتحطيم كيان المجتمع وتحويل نظره عن الحرية واجهاد في سبيل الاستقلال؟ ؟ ومحاولة قتل الشخصية العربية ومقوماتها وتدمير تفكيرها وتسميم ينابيع الثقافة فيها وعن طرقه ارتفعت أصوات الدعوة إلى اذابة الأمة الإسلامية في الحضارة اذابة كاملة باعتبار ذلك هو السبيل الوحيد إلى النهضة والحرية.

وجرت الادعاءات الغربية التي تنفى أن العرب أمة وتحاولت أن تجعل من دول البحر الأبيض المتوسط جامعة ورابطة.

ولقد ركز الغزو الثقافي أحماله كلها على مهاجمة "الإسلام" كدين ونظام مجتمع واتهامه بأنه سبب انحطاط الشعوب ورأى "جب" أن "حركة التغريب كانت بعيدة المدى بانزال الاسلاام من عرشه في الحياة الاجتماعية" وقد أعلن الكثيرون من دعاة التغريب أننا لسنا شرقيين اطلافا وأننا أوربيون في الدم والمزاج والثقافة واللغة، وادعى هؤلاء اننا سكان العالم العربي من بغداد شرقا إلى طنجة غربا نشترك وأوربا في ميراث واحد هو ميراث الدولة الرومانية.

وكان من نتائج هذا كله أن أضيف إلى الفكر العربي الإسلامي "ترقيعاات" متعددة من الثقافات الفرنسية والانجليزية والأمريكية، وهى البطاقات التي فرضت نفسها في المنطقة.

***

[النقل والاقتباس]

كان لحركة "التغريب" أثر واضح في الفكر العربي الإسلامي المعاصر والحياة الاجتماعية في العالم العربي فقد كانت مصدر كل الانحرافات والاضطرابات التي أصابات الشخصية العربية الإسلامية وانحرفت بها فترة من الزمن عن طريقها الطبيعى، وليس من شك أن الثقافة والحضارة الغربيتين كان لهما نتائج ايجابية ونتائج سلبية.

ولو قد استقبات الأمة العربية هذه الحضارة وهذه الثقافة دون أن يرتبطا بحملات الاستعمار والغزو الثقافي والتغريب لأمكن لها أن تنقل منها ما تراه صالحا لها، كما فعلت من قبل في أبان النهضة الفكرية الأولى خلال العصر العباسى الأول.

غير أن الأمر لم يكن باختيارها فقد فرضت الحضارة الغربية فرضا وفرضت معها الثقافة الغربية بما فيها من تيارات ومذاهب ونظريات في الاجتماع والدين والسياسية وأساليب في الحكم والتشريع والتعليم والصحافة.

ولذلك فقد كانت القضية الأولى في الفكر العربي الإسلامي المعاصره هى:

النقل أم الاقتباس؟

وكانت هناك تجربة كاملة من تجارب النقل هى تجربة تركيا، فقد تحولت من الشرق إلى الغرب، ومن اللون الإسلامي إلى العلمانية اللادينية في الثقافة والحكم والتعليم.

وقد قام تياران واضحان: أحدهما يدعو إلى النقل الكامل والثانى يدعو إلى الاقتباس، وكان تيار "النقل الكامل" الذي دعا اليه سلامة موسى ومحمود عزمى

<<  <   >  >>