للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وطه حسين جريا وراء دعوة "جاك الب" التركى وهم جميعا من تلاميذ (دوركايم) العالم الاجتماعى الاسرائيلى الذي نقل آراء كارل ماركس من ميدان الاقتصاد والسياسة إلى ميدان الأخلاق والاجتماع. والذى يؤمن بأن الفرد لا قيمة له وانما القيمة للمجتمع. وأن القيم كلها كالاخلاق والأديان والعقائد والآداب انما بخلقها المجتمع ولذلك فهى ليست ذات قيمة أو أهمية حقيقية.

وقد كان طه حسين تابعا لأحمد غايف التركى في القول: بأن المدينة الاوربية كل لا يتجزأ، أما ان يؤخذ كله أو يترك كله وهو قول مردود وكأن الطرف الثانى يقول: أن التجديد في الأدب والثقافة كالتجديد في العلم لا يمكن أن يقوم الا على أساس تعاون الماضى والحاضر، وأن الفكر يبنى في حاضره على ما أسس في ماضية.

ولم يكن لدى العالم الإسلامي مانعا من قبل الحضارة باعتبارها نتاجا بشريا اشترك فيه الجنس الانسانى كله وقد حمل العرب أمانتها فترة تزيد على أربعة قرون.

أما الذين قالوا بالتوقف دون الاقتباس فلم يكونوا على فهم صحيح بحقيقة الإسلام وقدرته على تقبل التطور وحقيقة مفاهيم الفكر العربي، ذاك أن القاعدة في ذلك هى اننا لا نتقبل كل شيء، ولا الإسلامي تتحول لى صور ممسوخة من الأمم الأخرى، وأن عاينا أن نضع أمام أنفسنا أولا المحافظة على ملامحنا الحقيقية ومعالم شخصيتنا الواضحة والايمان الصادق بتراثنا وقوميتنا وتاريخنا ولغتنا ومشخصات فكرنا ثم نقتبس ما يزيد هذه الشخصية قوة وحياة ودفعنا إلى الامام في طريق الحضارة جنبا إلى جنب غير متخلفين في ركب الأمم.

وقد كان هذا المبدأ "البناء على الاساس" هو حصاد المعركة الفكرية الطويلة الممتدة خلال اكثر من مائة عام.

فالمزج بين القديم والجديد والماضى والحاضر والشرق والغرب انما يقوم على وجود شخصيتنا أولا والمحافظة على ملامح فكرنا العربي الإسلامي الواضح حيث لا يجوز أن يطمس ملامحه الاقتباس.

وقد كنا طوال تاريخنا (١) متحركين غير جامدين ولا متوقفين (٢) اصلاء أكبر من الاحداث وغير أمعات تجرى مع التيار (٣) لدينا من المرونة والحيوية ما يمكننا من التكيف مع الظروف والمقاومة الدائمة لكل محاولة للطغيان عليها أو سحقنا ومن القدرة ما يمكننا من مواجهة التحدى برد الفعل السريع الذي يرقى فوق الاحداث ولا يجعلنا نضيع في زحمتنا.

وقد كان "الاقتباس" في معناه مزيج من "المعالم الاساسية" التراث الجديد ومن هذا كله يتكون شيئا جديدا هو شخصيتنا الفكرية العربية الإسلامية المتجددة.

وكان هذا التيار "الوسط" أصدق التيارات التي حققت ما أراده دعاة الثقافة القديمة من بعث التراث وتجديده ما أراده دعاة الثقافة القديمة من بعث التراث وتجديده بأساليب جديدة وحقق خير ما اراده دعاة التغريب الذين يريدون منا التحول نهائيا إلى الصورة الغربية.

وكان مفهوم الاقتباس، أن معنى نقل الحضارة ليس في مستوى مفهوم نقل الثقافة. وأن نقل الحضارة ليس معناه نقل كل الحضارة فهناك فوارق واضحة بين الثقافة والحضارة.

غير أن "التغريب" ام يكن يهدف الا إلى النقل الكامل للقضاء على شخصيتنا وكياننا، ولذلك كان يضغط علينا ليحولنا من الاقتباس إلى النقل عن طريق دعاته وعملائه.

وقد حدث انحراف فعلا ولكن اثارة لم تمتد طويلا، فان بعض دعاة التغريب أنفسهم قد تحولوا عن دعواهم تحول منصور فهمى والدكتور هيكل ومحمود عزمى.

وهكذا سار تيار النقل وتيار الاقتباس جنبا إلى جنب، كان الاقتباس يعنى الاعتدال وكان النقل يعنى الاندفاع وقد كان لمادية الفكر الغربي وتحلل الجوانب المنقولة من الحضارة الغربية أثرها في موجة الانحراف التي أصابت الأمة الإسلامية.

ذلك أن أول أثار الثقافة للغربية والحضارة الغربية كانت القضاء على مقومات حياتنا الفكرية وهى مقومات روحية مقتبسة من الدين والخلق فظهرت ملامح الذاتية الفردية واسراف الطبقة الوسطى في تقليد الطبقة العليا المترفة التي صنعها الاستعمار له، وتفشى الوصولية والزلفى والتبذل واستشراء روح الخنوثة والميوعة،

<<  <   >  >>