للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

حيث سرت روحها إلى الصحافة والاغانى والكتابة والمسرح.

وبلغ الاهتمام غايته بالالفاظ، واستولى روح من اليأس، صاحبه روح من الاستهانة والسخرية بامجادنا وتراثنا وأعلامنا وتاريخنا ولغتنا وديننا، وبدأ الوجود العربي تحت ضغط صراع الثقافات المتعددة من أمريكية وفرنسية وبريطانية، وثنائية التعليم الغربي والقديم، مزيجا غربيا مضطربا من القديم والجديد، دون أن يتبلور ذلك في حضارة جديدة أو ثقافة جديدة، وحرص الاستعمار على أن تظل هذه الجماعات المختلفة والآراء المختلفة، والدعوات المختلفة ما بين إسلامية وعربية وبابلية وأشرية وبربرية قائمة حتى لا يتم "الامتزاج والتباور" بين أجزاء البلاد العربية التي أفصلت فعلا بحواجز وحدود وقامت فيها حكومات وعروش ونظم مختلفة ما بين ملكية وجمهورية وامارات وما بين حماية ووصاية وانتداب واستقلال واحتلال.

وبذلك أمكن للتغريب أن يسيطر وأن يحول الحياة الاجتماعية في الأمة العربية تحت ضغط "النزعة المادية" إلى الاندفاع وراء اللذات والمتاع مما أدى إلى افلاس عدد كبير من التجار وسقوط عدد كبير من اعيان البلاد وهو ما أطلق عليه فريد وجدى "المبالغة في المتاع بالحياة المادية" مما أدى إلى استيلاء الاجانب أصحاب البنوك والأندية على هذه الثروات تحت تأثير التهالك على الشهوات على نحو خطير لم يعرف من قبل.

وقد كان حرص الغرب على نقل هذا الجانب الآثم من حضارته إلى بلادنا خطير الأثر في عملية التغريب والقضاء على كياننا، وكان أخطر ما فيه من أثر هو القضاء على كياننا، وكان أخطر ما فيه من أثر هو القضاء على الكيان الاجتماعى والاقتصادى والنفسى لنا، مما يجعلنا عاجزين عن الجهاد والنضال في سبيل مقاومة الاستعمار، وما يؤدى إلى سحق قولنا وهدم معالم روحنا المعنوية وتطرق الفساد إلى النفوس والوصول إلى درجة التحلل التي تقضى قضاءا نهائيا على كياننا.

ولذلك كان كتاب الغرب يحرصون على تسجيل هذا المعنى في دراساتهم ومشاهداتهم: يقول روث فرانسيس في كتابة الشرق الناهض "لقد أصبحت البضائع التي تغمر الأسواق الشرقية هى الجوارب الحريرية والأثاث والمفروشات وثياب السهرة المكشوفة والأحذية العالية الكعوب. والسيارات والمشروبات الكحولية والمياه المشبعة بالصودا والكتب الافرنجية.

وقد حرص التغريب أن يربط بين التجديد وبين الاباحة وأن يجعل التجديد هدما دون بناء وأن يكون التجديد في أعماق معاينه هو ترويج البضائع الاجنبية وازدراء المصنوعات الوطنية وهدمها وجعل كل قديم مزدرى.

وكان لضغط التغريب أثره في أن العربي كان يعرف عن شكسيبر وبرناردشو وكبلنج أكثر مما يعرف عن المتنبى والجاحظ وابن الرومى.

وكانت غزوات المفكرين الغربيين لبلادنا انما تهدف للبحث عن صور مسمومة يراد بها الاساءة، والقاء محاضرات ترمى فيها بالاتهامات حتى أن أحدهم كان لا يتورع عن أن يحاضرنا في الجعية الجغرافية عن عقليتنا بأسم (عقلية الشعوب المنحطة) أمثال الدكتور ليفى برول ويفسر هذه الشعوب بأنها شعبنا.

والجمعيات الثقافية التي أنشئت في بلادنا كان هدفها ربطنا بالغرب، من هذه جمعيات التاريخ المصري ونادى الانجليزى الذي كان يتولى رئاسته اللور ملنر وبرنامجها كما ذكرت الصحف هو «افهام الرأى العام الانجليزى الخدمات التي أدتها الحكومة المصرية الحكومة البريطانية والحلفاء في خلال الحرب» كما كان هدف هذه الجمعيات خلق صداقات بين المصريين والفرنسيين من ناحية وبينهم وبين الانجليز من ناحية أخرى تولى رئاستها أجانب ثم مصريين متغربين.

حتى الجمعية المصرية التي أنشئت ١٨٣٦ باللغة الانجليزية كان هدفها كما ذكر توفيق أسكاروس (الأهرام ١٣/ ١/١٩٢٥) بجمع معلومات خاصة بمصر وما لها من العلاقات بينها وبين بلدان أفريقيا وآسيا وأن أعضائها كانوا من الأجانب وأغلبهم الانجليز، وقد استعملت طبعا هذه المعلومات والأبحاث لخدمة الاستعمار البريطانى ومهدت لوضع يده على بلادنا وقد عزا الدكتور محمد حسنى ولاية (الاهرام ٣/ ١/١٩٣٤) جمود روح البحث العلمى في مصر إلى وقوعها تحت نير الحكم الاجنتى عصورا طويلة وما يتبع ذلك من التضييق على ميادين الاقتصاد والعلم والزراعة.

ولا شك أن حركة التغريب كانت تستهدف أن تظل معرفتنا بتاريخنا ناقصة، مما كان له أبعد الأثر في ضعف الوطنية والقومية. ولذلك دعا عباس مصطفى عمار

<<  <   >  >>