[المسلمون والمسيحيون: مصر]
اتخذ الاستعمار الانجليزى في مصر من قضية الاقليات نقطة ارتكاز في "مؤامرة التجزئة" فقد أثار الخلاف بين المسلمين والأقباط وادعى حماية الأقباط وخلق مشكلة الأكثرية والأقلية، وبينما كان المصريون يعيشون في ظل مجتمع متحد قبل الاحتلال، حرص الانجليز على ضم فريق من المسيحيين اليهم وخقوا لهم وضعا معينا في مختلف ميادين العمل والتعليم.
وقد سجل المؤرخون الأوربيون المنصفون سماحة المسلمين أزاء الأقليات وأن الإسلام أكد حقوق أهل الكتاب من غير المسلمين، غير ان النفوذ الغرب اتخذ من حماية الأقليات وسيلة للتدخل لتوطيد أقدامه، وخلق عددا من المشاكل والخلافات والفتن بين الطوائف المختلفة.
وكان لبنان أبرز مثل لقدرة الاستعمار على استغلال الخلاف بين الموارنة والدروز، أما في مصر فإن الموقف قد اختلف عن ذلك نظرا لليقظة وضبط النفس والقدرة على افساد الخطة التي حاولها الاستعمار.
وقد شهد بذلك فوردو كاتنج (٢٧/ ١٠/١٩٢٩ - الأهرام) فقال أن الأقليات المسيحية واليهودية كانت تعامل على الدوام خير معاملة في البلاد الإسلامية إلى أن تأتى دولة أوربية وتستخدم تلك الأقليات لقلب الحالة.
وقد كان للأقباط منذ تعريب مصر مكانة مرموقة حيث كان إليهم إدارة البلاد وأعمال المال وبينما اختص الأتراك بالمناصب العسكرية والادارية واختص المسلمون بالقضاء اختص المسيحيون بأعمال المال، ولم يكن عدد الأقباط عام ١٩٠١ يزيد عن عشر سكان القطر بينما كانوا يحتلون ٤٥ في المائة من الوظائف ويحصلون على ٤٠ في المائة من المرتبات، بينما لم يزد نصيب المسلمين منها عن ٤٤ في المائة وقد أحرز عددا منهم الباشوية، وكان أول قاض قبطى هو (عبد الملاك كتكوت) بمحكمة قنا الأهلية كما عين يوسف عبد الشهيد مديرا لديوان القضايا بمديرية المنيا وسرور بك وكيلا لمديرية الدقهلية وكان ذلك رمزا لاتحاد البلاد كما ألف الأقباط الجمعية الخيرية القبطية برئاسة قربانص مفتاح.
غير أن الاستعمار البريطانى بدأ يدس بين المسلمين والأقباط على نحو يفهم منه أن هناك أقليو أكثرية وأنهم- أى البريطانيين- يراعون فريق المسلمين كما يحمون فريق الأقلية، وذلك حتى يجعلوا نفوذهم مرجعا للفريقين، وقد بدأت سنة ١٩٠٧ حملة صحفية قادتها صحيفتا "الوطن ومصر" المسيحيتين حيث هاجمتا الإسلام هجوما عنيفا اضطرت معه اللواء والمؤيد للرد عليها فكتب اللورد في تقريره (١٩٠٨) يقول أنه يوجد فرق ظاهرى شاسع بين المسلمين والأقباط. ولكن هذا الفرق لا يكاد يذكر في الواقع. غير أن الضرورة تحتم أن الأقلية تتأثر بالأغلبية" وتحت ضغط الاشاعات التي روجها المستعمر بأن هناك دستور سيوضع وستهمل حقوق الأقلية، رفع الأقباط إلى كرومر عام ١٩٠٨ مذكرة ضمنوها بأربع مطالب:
١ - المساواة الكاملة مع المسلمين فيما يختص بالتعيين في الوظائف.
٢ - اغلاق المحاكم يوم الأحد.
٣ - تعيين عضو آخر في الجمعية الاستشارية.
٤ - تعليم الدين للطلبة المسيحيين في المدارس الأميرية.
وقد قبلت السلطات المطلبين الأول والثالث. وتبادلت جريدتى اللواء والمؤيد التهانى لهذه الخطوة نحو المساواة الاجتماعية.
غير ان الاستعمار لم يشأ أن يلتقى الأقباط والمسلمون فوسع شقة الخلاف حيث أزال امتياز