المسيحيين في العمل المالى وأخذ يدفع بعض المسلمين اليه. (توفيق حبيب وجاك تاجر (ك) أقباط ومسلمون) ثم لم يلبث أن عين بطرس غالى رئيسا للوزراء (١٣ - نوفمبر ١٩٠٨) وقد كان هذا عملا مستغربا اذ أنه لأول مرة يرأس الوزارة مسيحى في بلد له أغلبية مسلمة، وقد أثار هذا عاصفة من النقد في مجال الصحافة، وان كان بطرس غالي عندما سألته الصحف المسحية عن مطالب المسيحيين لم يشأ أن يعلن عن وجهته واكتفى بأن قال أنه لا ينوى التدخل في هذه المسألة. وكان بطرس غالى قد رأس المحكمة المخصوصة لمحاكمة أهالى دنشواى ووقع مع كرومر سرا اتفاقية السودان ١٨٩٩ التي قضت على كل صلة لمصر بالسودان وقد كان هذا كله مما أعده الانجليز للوصول إلى النهاية التي وقعت بعد اذ تقدم شاب متحمس من شباب الحزب الوطنى فاغتال رئيس الوزاراء ٢٠/ ٢/١٩١٠ وان كان قد ثبت أن هذا الشاب كان مدفوعا بمفاهيم السياسة لا بالعاطفة الدينية.
وبذلك وصل الانجليز إلى غايتهم في تعميق شقة الخلاف، وكان مصطفى كامل من قبل قد حاول أن يجمع بين عنصرى الأمة. وضم إلى حركته عددا كبيرا من أعيان الأقباط أمثال ويصا واصف ومرقص حنا وهو القائل "ان المسلمين والأقباط شعب واحد مرتبط بالوطنية والعادات والأخلاق وأسباب المعاش ولا يمكن التفريق بينهما مدى الأبد. وأن الأقباط اعوة لنا بين الوطن وقد شهد (مرقس حنا) بعد وفاة مصطفى كامل بأنه هو الذي "أرانا طريق الحرية والأخاء وأفهمنا أن الاتحاد هو السلم الأول للوصول إلى الحرية والاستقلال"
وقد أمكن أن يتلقى نخبة من رجال العنصرين في مؤتمر عام استنكروا فيه عمل تلك الفئة التي اتجهت إلى استعداء سلطات الاحتلال. بيد أن الاستعمار استطاع أن يدفع بالغلاة إلى العمل على اثارة الخلاف مرة أخرى وتعميقه وأعانت على ذلك الصحف الأوربية في الخارج والأفرنجية في مصر التي وصمت المصريين المسلمين بأقبح النعوت (إبراهيم عبده- تاريخ الأهرام ص ٣١٠) وقد كسب الاستعمار من هذه الفرقة أن شغل المصريين عن الجهاد الأساسى الذي يقوم ضد الاحتلال إلى الانقسامات والخلافات المذهبية.
ثم عقد الأقباط مؤتمرهم في أسيوط (مارس ١٩١١) وثم به اعداد مطالب خمسة هى:
(١) راحة يوم الأحد.
(٢) المساواة في الوظائف.
(٣) تشخيص العناصر القبطية في الهيئات النيابية.
(٤) المساواة في التعليم في مجالس المديريات واعانة مدارس الأقباط.
(٥) الانفاق من الخزينة المصرفية على جميع المرافق المصرية على السواء.
وقد واجهت صفوة رجال الأمة هذا المؤتمر بالتسامح ولم تشأ أن تعقد مؤتمرا حمل اسم المؤتمر الإسلامي حتى تفسد على المستعمر خطته في التفرقة بل عقدوا مؤتمرا "مصريا" ضم المسلمين والمسيحيين في مصر الجديدة برئاسة رياض باشا (مايو ١٩١١) وقد رفض هذا المؤتمر تقسيم الأمة المصرية إلى عنصرين أكثرية إسلامية وأقلية قبطية ودعا إلى وحدة الأمة السياسة وسجل هذا في عبارة مضيئة: "ان لكل أمة دينا رسميا. ودين كل أمة هو دون الأكثرية منها ومن غير المفهوم ان يكون في الأمة أكثر من دين رسمى واحد وعليه فلا معنى للاعتراف بأقليات دينية تعمل في السياسة بهذه الصفة".
وبذلك حطم المصريون مؤامرة "التجزئة الدينية" بعد أن استمرت أكثر من ثلاث سنوات.
وعندما طالبت مصر بحقوقها بعد الحرب العالمية الأولى، ومنعت بريطانيا المصريين من حضور اجتماعات مؤتمر الصلح، هب المصريون جميعا مسلمين ومسيحيين في ثورة ١٩١٩: وكان القساوسة ومشايخ الأزهر يتبادلون الخطابة والدعوة إلى الحرية الوطنية في الأزهر والمساجد والكنائس وكانت الأعلام التي رسم عليها الهلال والصليب تظهر متعانقة في كل مكان، وسجلت الحركة الوطنية مبدأ واضحا هو: الدعوة إلى حرية مصر على أساس أن الجميع مصريون، ولما أصدرت بريطانيا تصريح ٢٨ فبراير من جانب واحد لم تنس أن تنص على أن من المسائل المعلقة بينها وبين مصر "حقوق الأقليات" وعندما بدأ وضع الدستور دس الاستعمار البريطانى دسائسه مرة أخرى بين المسلمين والأقباط فظهر اتجاه يدعو إلى تحديد تمثيل نسبى لجميع الطوائف الدينية: وقال أنصار هذا النظام (جاك تاجر- أقباط ومسلمون) أنه اذا ضمنوا للأقليات الدينية تمثيلا ثابتا في الجمعية الوطنية فانهم يمنعون بذلك الانجليز من التدخل في شئون مصر الداخلية بدعوى حمايتهم للأقليات،