وقد أيد هذا بعض المسلمين غير أن أغلبية الأعضاء عارضوا هذا الاتجاه كما عارضه المستنيرون من المسيحيين: وكان الرأى أن هذا لو تحقق سيبقى على الانقسامات القديمة ويضعف الوحدة القومية، وقد جرت مساجلات طويلة في الصحف في هذا الشأن حمل فيها لواء الدعوة إلى تحديد التمثيل "توفيق دوس" ومن شايعه وحمل لواء الدعوة إلى الاطلاق (عزيز ميرهم) ومن شايعه.
ومما كتبه عزيز ميرهم في هذا الصدد تحت عنوان حماية أقليات (افتتاحية الأهرام ٨ مارس ١٩٢٢) قوله "لا أنكر في مصر أقليات من قبط وعرب ويهود وطوائف من المسيحيين الشرقيين وأن كثيرا من هذه الأقليات يتمتع بقوانين خاصة وامتيازات مختلفة من التمثيل في الهيئات النيابية، وقد وجدت هذه الأٌليات بحكم أسباب تاريخية لا تختلف كثيرا عن الأسباب التي أنتجت ما يشابهما من الأقليات التاريخية في بلاد الغرب. من هذم الأسباب قيام الوطنية في الماضى على أساس الدين قبل قيامها على وحدة الدم والتاريخ والوطن. وانما تقدم الغرب على الشرق في فكرة بناء الوحدة القومية على أساس وحدة الدم والتاريخ والوطن. أما في الشرق فلتساهل الدين الإسلامي وتسامحه لم يمنع الإسلام الطوائف غير الإسلامية من المعيشة والانتشار في جواره." ثم أشار إلى الصعوبات التي وقعت بين طواءف من الأديان في الشرق وقال أن هذه الخصومات لم تكن الا أعمالا فردية وقتية، وقد وضع الإسلام منذ نشأته قاعدة حرية الدين وأجاز للطوائف غير الإسلامية حق مباشرة شئونها الداخلية بنفسها. وأن مصالح الأقليات في مصر مضمونة ضمانا قلما من مدة مديدة ومنها تمتع الأقباط في مصر بالأنظمة الدينية الخاصة بهم والتمتع بشعائرهم الدينية وحق بناء المدارس والكنائس والأديرة من غير قيد، وحق امتلاك الأملاك الموقوفة عليها وادارتها.
وقال ان ادعاء بريطانيا حماية الأقليات انما يفتح باب الدسائس واسعا، وأشار إلى الأساليب التي يستعملها الانجليز تحت ستار حماية الأقليات للتفريق بين الطائفتين، وقال أن الأمة المصرية قامت تنادى بمبدأ واحد وأن جميع عناصرها قد التقت في وحدة المطلب ووحدة الوطن وأن مثل هذا الاجراء- تحديد نسب التمثيل- تدخل معيب تأباه كرامة شعب يريد الحياة".
وعادت الأهرام فسجلت شعور المصريين (٩/ ٢/عام ١٩٢٣) ورغبتهم في الغاء مذهب الأكثرية والأقلية الذي خلقه الانجليز وابتدعوه "ليغروا به ضعاف النفوس وضعاف العزائم حتى يستميلوهم إلى قوتهم فيكونون خدمة لها في ما تطمع وتريد".
وقد نص دستور ١٩٢٣ على المساواة التامة بين جميع المصرين أيا كان دينهم أو عقيدتهم كما نص على حريتهم في ممارستهم لشعائر دينهم وقبولهم بالوظائف الحكومية. وجرت التقاليد على أن يكون دائما ضمن مجلس الوزاراء وزير قبطى.
ولكن بريطانيا لم تتوقف عن اثارة النعرة الطائفية فترددت تحذيرات الصحف منها في سنوات ١٩٢٨ و ١٩٢٩ معلنة "أن الأكثرية والأقلية بضاعة من بضائع أوربا السياسية تصنع للتصدير إلى الخارج وترسل إلى الشرق التعس الذي القى فيه هذا الميكروب منذ دهر بعيد فغفل عنه وعمل عمله. وأن الشرق لم يعرف في ابان مجده وحضارته مثل هذه التفرقة، وقد سجل "جاك تاجر" في كتابه أقباط ومسلمون: أن الاندماج بين المسلمين والمسيحيين في الحضارة والثقافة قد بلغ حدا بعيدا وأن تقاليد المسلمين في مصر لم تخل من الأثر الفرعونى، بينما طبع الإسلام بروحه الأقلية القبطية التي ظلت متمسكة بالمسلمين، وقد كف الأقباط عن التكلم بلغتهم وتعلموا اللغة العربية ونقلوا عباداتهم في الكنائس إلى اللغة العربية أيضا وما حل القرن الثانى عشر حتى أصبحت كلها: تتحدث باللغة العربية، كما أخذ الأقباط عن المسلمين ختان الأطفال كما تشبهوا بالمسلمين من حيث المظهر وهو ما عجز عنه اليونان والرومان من قتل الأتراك من بعد وكان هذا علامة على امتزاج العرب بالأسر المصرية والتقاء المسلمين والمسيحيين في وحدة حضارية وثقافية كاملة.