كانت الحضرة الأوربية قد بدأت تنفذ إلى الشرق كله وتمتد إلى جوانبه. وتمد في كل مكان معالمها صور اللذه والمتعة والترف وتغلبها على مقاومات المجتمع العربي الأصلية كوسيلة للقضاء على روحه المعنوية ودفعه إلى التحلل والاستهانة بالقيم والكرامة والحرية، وانتشرت صور الحضارة في البيت والعلم والملبس والفن وخرجت دعوة تحرير المرأة إلى غير مادعا اليه الذين حملوا لواءها كما تناثرت في أنحاء الوطن العربي الحانات وانتشر البغاء الرسمى وظهرت معالم التفكك على الأسرة وبدأ الشباب يتحلل ويضعف عن مواجهة الأضواء ذات البريق ونشأت مشاكل الاختلاط وبدع المصايف على شواطئ البحار وزادت موجة تدهور المجتمع قوة، واستعلن الاثم وبرزت الاباحة وهدفت السينما والمسرح والصحافة إلى ارضاء الجماهير واغرائها وهدهدة غرائزها، وغلب التحلل على الأغانى والموسيقى.
غير أن الفكر العربي الإسلامي لم يقف ازاء هذه الموجة من التغريب الاجتماعى صامتا، بل واجهها بالاصلاح، وعمل على مقاومة التحلل، ودعا المصلحون إلى انشاء المجلس الأعلى للاصلاح الاجتماعى (صحف ٢٦/ ٤/١٩٣٦) ليحمل رسالة الدعوة إلى دراسة تيارات تطور المجتمع وتتبعها بما يكفل حسن استغلالها لصالح الجماعة والمجتمع
"ذلك أن تطور المجتمع لا يمكن سد تياره أو الوقوف في سبيله لأنه نتيجة تفاعل عدة قوى طبيعية ومحلية وعائلية ليس من الميسور الشيطرة عليها، كما أن معالجة الاصلاح الاجتماعى بالمقالات والنصائح أصبح أسلوبا باليا، ولذلك لابد أن تتحه الأبحاث الاجتماعية اتجاها علميا قائما على مناهج بحث لها وسائلها وموازينها الحقيقية، فقد تقدم الاجتماع كعلم من العلوم النظرية وأمكن تطبيق نظرياته الاجتماعية تطبيقا علميا، وخضعت المجتمعات الانسانية الراقية منها والمتأخرة للبحث الاجتماعى كما تخضع الكاتبات الحية للبحث البيولوجى"
وأشار الباحثون إلى أن المجتمع المصري كان متقدما على المجتمع التركى من عدة وجوه في نظمه الادارية والاقتصادية والقضائية، وكانت المرأة الركية تحسد أختها المصرية لما كانت تتمتع به من حقوق، ثم انقلبت الآية بعد عام ١٩٢٤ اذ نادت تركيا بوضع سياسة اجتماعية رسمت وسائلها وخططها وأقدمت على تنفيذها، وبدأ حول المجتمع التركى.
ودعا المصلحون وفي مقدمتهم محمد فريد وجدى (الأهرام ١٢/ ٤/١٩٣٦) إلى وضع سياسة لللاصلاح الاجتماعى في هذا الدور من الانتقال الذي تجتازه البلاد صيانة للآداب والأموال والأعراض التي تحلل وتتلاشى أمام قوى عارمة منصبة عليها من ضروب شتى لا تجد حيالها من ملاذ تحتمى فيه دونها، وقال وجدى "أن أول ما يؤثر على خيال الأمة في هذا الدور هو أن تنفض من رأسها غبار الخمول. وأشار إلى الشر الذي تلقاه من نقلها مظاهر المدنية، وفي هذه المظاهر ما هو شر محض والخير الذي فيها لا يمكن الوصول اليه بمجرد التقليد، وأشار المصلحون إلى أن هناك آفات اجتماعية سرت في جسد الأمة من مخلفات الاستعمار "الذى وضع بويضات جرائميه بين جدران المدارس" وأن مرتعها الخصيب هو الطبقة العامة من الأمة.
وأشار عبد الله حسين (الأهرام ٢/ ٩/١٩٣٣) إلى أن السياسة القومية للوطن ليست هى الاستقلال وانما تتصل بسياسة التعليم وسياسة المجتمع، وأن تكون المدرسة قومية البرنامج والروح، وأن المدرسة المصرية تهمل التاريخ المصري أشد الاهمال وتقوم الدراسة على وضعها أجانب، ودعا إلى تربية العاطفة الوطنية بشراء البضاعة الوطنية. وأنحى باللائمة على الطبقة الأرستقراطية إلى تحتقر مصنوعات بلادها ولا يرضى رغتها الا شراء كل شئ أوربى، وطالب عباس عمار (٣١/ ٨/١٩٣٣) بضرورة وجود أمور ثلاثة يمتلك الشباب زمامها ليشيدوا صرح وطنهم شامخا هى:
(١) مثل أعلى يقوم على مبدأ الخدمة العامة ويرمى إلى الخير العام.