?
وفى مجال المساجلة الفكرية قال دعاة الفرعونية أن عشر اللغة العربية التي نتحدث بها هيروغليفى ومنها الأرغول والدف والناى والعود وكان الرد على ذلك بأن أكثر من نصف اللغة المصرية القديمة انما هى في الأصل عربية.
وقال ساطع الحصرى (آراء وأحاديث في القومية العربية) أنه لا تعارض بين الفرعونية والعربية وأن التعارض والتصادم لا يحدثان الا بين الأشياء التي تسير على مستوى واحد في عالم واحد. والفكرة العربية التي تعمل في القرن العشرين للأجيال القادمة لا يمكن أن تتعارض مع آثار بقيت ميراثا من ماض سحيق يرجع إلى أكثر من خمس آلاف من السنين. وأن الأهرام لم تمنع مصر من الاتحاد مع سائر الأقطار العربية اتحادا تاما في ساحة اللغة، فهل يمكن أن تحول دون اتحادها مع تلك الأقطار في ساحة السياسة أيضا وأن العرب لم يطلبوا من المصريين التنازل عن مصريتهم بل انهم طلبوا اليهم أن يضيفوا إلى شعورهم المصري الخاص شعورا عربيا عاما.
***
كما ذكرنا محب الدين الخطيب أن "مينا رأس الفراعنة رجل أسيوى جاء إلى مصر من آسيا عن طريق سينا العربية أو من جبال وأودية أخرى وراء سينا وأعمق في العروبة" بل أنه ليس هناك ما يمنع من القول بأن مينا ابن جزيرة العرب. وذلك أن جزيرة العرب تغدى مصر بأبنائها من قبل مينا ومن بعد مينا ومن قبل عمرو ابن العاص ومن بعد عمرو بن العاص. وأن فرعون نفسه كانت تجول في عروقه دماء غير قليلة من الدماء التي كانت تجول في عروق عدنان.
وقال ساطع الحصرى في مجال الرد على العلاقة بين الفرعونية وبين الآثار أن مصر قد تباعدت عن ديانة الفراعنة دون أن تهدم أبا الهول وتخلت عن لغتها القديمة دون أن تقوض الأهرام. وجميع آثار الفراعنة التي زينت بها متاحف مصر ومتاحف العالم لم تولد نزوعا إلى الديانة التي أوجدت تلك المآثر الخالدة ولا حركة ترمى إلى بعث اللغة التي رافقتها خلال قرون طويلة.
ورد ساطع الحصرى على القول بأن تاريخ مصر مستقل تمام الاستقلال عن تاريخ أى بلد آخر فقال: أن هذا الادعاء افتراء صارخ على الحقائق الواقعة فان تاريخ مصر اختلط عميقا بتاريخ سائر البلاد العربية وتشابكت أوشاجه معها خلال القرون الثلاث عشرة الأخيرة على الأقل، وأن من يلقى نظرة عامة على تواريخ الأمم المعاصرة لنا يضطر إلى التسليم بأن العلاقات التاريخية التي تربط مصر بسائر الأقطار العربية أقوى وأعمق وأطول من العلاقات التاريخية التي تربط الأقاليم الفرنسية بعضها ببعض.
وفي هذا المجال أعلن مكرم عبيد المصري القبطى أن المصريون عرب "نتيجة امتداد أصلنا القديم إلى الأصل السامى الذي هاجر إلى بلادنا من الجزيرة العربية" وأشار المؤرخ فيت (الأهرام ١/ ٤/١٩٣٣) أن المسيحية لم تنتج مصر بمدينة جديدة غير مدينتها الفرعونية، وأن مصر حين انتقلت ذلك الانتقال الرائع من حكم بيزنطة إلى حكم العرب لم تضطرب ولم تتقلقل لأن القبط الذي أساء اليهم الاغريق قابلوا العرب وتلقوهم تلقي المنقذ المخلص .. واذا كانت قد وقعت في أواخر القرن الثامن وأوائل القرن التاسع أحداث، فان سبب الثورة لم يكن الاضطهاد الديني ولكن سببه ثقل عبء الضرائب. ولا يستطيع المؤرخ أن يغفل أن الخليفة العزيز أصدر عام ٩٧٥ م أمره بالمساواة في الحقوق بين المسلمين والمسيحيين وكم مضى من القرون والأجيال على أوربا حتى وصلت إلى مثل هذه الهوادة بالدين.
واذا كان الدكتور محرم كمال (الأهرام- ٢٨ - سبتمبر ١٩٢٥) بمجد عظمة مصر ويقول: انه بينما كانت اليونان تغط من نومها كانت مصر تحمل علم الفنون ومصباح المعرفة. وبينما كانت اليونان في مهدها كان ذكر مصر من حيث عظمتها وبهائها وثروتها وقوتها قد طار يعم البلدان واعترف لها الجميع بالتفوق بل بمنصب الأستاذية في الحكم والمدينة. وقد أخذ الاغريق عنهم كثيرا من الأشكال المصرية، فان هذا القول يرد إلى أن عظمة الفرعونية هى جزء من عظمة البلاد العربية.
[المراجع]
الاتجاهات الوطنية: الدكتور محمد حسين.
المعارك الأدبية: أنور الجندى.
الفكرة العربية: أنيس صايغ.
آراء وأحاديث في القومية العربية: ساطع الحصرى.
الأهرام: ٢٨/ ٩/٢٥ - ١/ ٤/٢٣ - ١٩/ ٩/١٩٢٣.
المقطم: ٩/ ١٠/١٩٢٩ و ١٠/ ٩٢٩.
الأهرام: ٣/ ٢/١٩٢٣ اللغة القبطية- مرقص سميكة).