تعرض الفكر العربي الإسلامي المعاصر في تطوره إلى معركة ضخمة: هي معركة الغريب والتبعية الثقافية التي فرضها الاستعمار مستهدفا تحطيم قيم الفكر العربي الإسلامي والقضاء على الملامح الاصيلة لشخصيته.
وقد وقف الفكر العربي الإسلامي من هذه المعركة موقف " التحدى ورد الفعل "، ذلك أن الفكر العربي الإسلامي في مطالع يقظته بالدعوة الوهابية انما كان يهدف إلى التحرير من التقليد والجمود في الفكر والاستبداد في السياسة عن طريق تحرير الفكر العربي الإسلامي من الزيوف التي دخلت اليه خلال فترة الضعف التي مر بها العالم الإسلامي، غير أن العالم العربي الإسلامي سرعان ما واجه أول حملة عسكرية غربية بعد الحروب الصليبية هى الحملة الفرنسية، ومن ثم بدأت معركة الاستعمار الفرنسي البريطانى التي أدت إلى احتلال أغلب أجزاء العالم العربي والسيطرة عليه وفرض الثقافة الغربية عليه، ومن هنا بدأت (معركة التحدى ورد الفعل) التي واجهها الفكر العربي الإسلامي في قوة وحيوية واستطاع بعد ١٤٠ عاما (١٧٩٨ - ١٩٣٩) تحقق انتصار واضح اعترف به خصوم العرب والمسلمين وعبر عنه مستر جب المستشرق الانجليزى حيث قال:
" ان المسلمين الغيورين يسلكون سبيلا وسطا، فيأخذون خير ما في الشرق وخير ما في الغرب، وبدأ ينفضون عنهم غبار العصور الوسطى، ويحمون الإسلام من قوى المدنية الغربية المدمرة، ولن يستطيع العرب أن يقطعوا صلتهم بالماضى كما قطعها الأتراك، ولما كان الإسلام جزءا لا يتجزأ من الماضى فليس في وسع المثل العربي الا على أن يتجرد منه تجرا تاما ".
نعم، لقد دخل الغرب هذه المعركة بكل أسلحته، فحاول التأثير في التعليم والسياسة والمجتمع واللغة العربية والصحافة والدين، وعمد إلى السخرية بتاريخ وأمجاد الأمة العربية الإسلامية وخلق نظريات للقضاء على القيم والمثل العليا وخلق عملاء للثقافة الغربية، وحاول عن طريق المستشرقين ومن تابعهم من المفكرين العرب نشر عديد من الأخطاء والشكوك والشبهات واستغلال روايات موضوعة لتصوير تاريخ العرب والإسلام واللغة العربية بصورة مرزية.
وحاول الغرب انكار فضل الإسلام على الثقافة والحضارة الحديثتين وكذلك انكار فضل مصر على حضارة اليونان، كما عمد إلى تغليب اللغات والثقافات الغربية على اللغة العربية، عن طريق حملات التبشير بالارساليات والمدارس وتحوير أنظمة التعليم والسيطرة على الصحافة واستعان في ذلك بقسوة النفوذ الأجنبى والامتيازات الأجنبية، وعول في سبيل تحطيم القوى المعنوية للأمة العربية فرفض البقاء والخمر والمخدرات وجرى عزل جامعات الأزهر المتروبين والزيتونة عن العمل حتى يتحقق للاستعمار عن طريق التعليم المدنى تنفىذ نظريات أبعاد الدين عن التعليم وخلق مناهج لا هدف لها الا تخريج موظفين يعملون تحت اشراف رؤساء أجانب على حد قول كيومر (رأس انجليزية وأيد مصرية). وحرص الغرب على أن يقدم لنا من الحضارة الجوانب المتصلة بالفرائز والترف وارضاء الأهواء بغية تحطمك المجتمع العربي وبث روح الفساد فىه وتمزيق كيانه. وجرى الزعم بأن المدنية الغربية كل لا يتجزأ، فأما أن تؤخذ كلها أو تترك كلها، وكانت هذه مغالطة واضحة في التفريق بين الثقافة والحضارة والأولى تمثل القيم والمشاعر وهى لا تنقل، والثانية تمثل الماديات والمخترعات والمكتشفات وهى ما يمكن نقله دون قيد. وقعد عمد دعاة التغريب إلى اثارة الشكوك حول