الدين وحول الإسلام بالذات بحسبانه القوة الموجهة التي كانت دائما عاملا فعالا في مقاومة العبودية والاستسلام.
وقد واجه الفكر العربي الإسلامي هذه المعركة الخطيرة في قوة، وكانت نظرية (المقاومة ورد الفعل) التي حمل لواءها الفكر العربي الإسلامي قائمة على أساس المقاومة والتجديد والاجتهاد والمحافظة على الأسس وعدم الاستسلام. وكشف الفكر العربي الإسلامي طوال هذه الفترة عن حقيقة واضحة هى: أن الحضارة الانسانية القائمة الآن ليست من عمل الأوربيين وحدهم بل هي من عمل جميع الشعوب التي شاركت في المدنية منذ قرون، فالورق من الصين، والأرقام من الهند والكتابة من مصر وفينيقية.
وقد كان لهذه المقاومة أثرها عن تحول عدد كبير من عملاء الثقافة الغربية في العالم العربي من الايمان بالحضارة المعاصرة إلى الكفر بها ومن ثم عادوا يبحثون عن وسائل النهضة على اساس من تراثنا الإسلامي والعربي.
كما كشفت الأحداث عن فشل الدعوات والنظريات الغربية في بلادها وأعلن كتاب وفلسفة غربيون منصفون أن الفلسفة المادية الغربية وما استندت اليه من علومها الكونية قد عجزت عن تحقيق مجتمع سليم في الغرب ومفهوم انساني واضح، ودعا الكثيرون إلى ضرورة تطعيم الحضارة المادية بروحانية الشرق.
وكان الرأى السائد هو أن المنطقة العربية الإسلامية ليست مادية خالصة أو روحية خالصة، وانما تؤمن بالامتزاج بين الوحية والمادية، وكان من أكبر أخطاء دعوة التغريب: نقل النظريات التي طبقت على المسيحية لتطبيقها على الإسلام م الاختلاف الواضح في موقف كل منهما من الحضارة والعلم، وقد كشف البحث عن أن اليقظة الفكرية العربية بدأت قبل الثورة الفرنسية والحماية الفرنسية، وأن العرب قد استيقظوا قبل أن يوقظهم الغرب وأحسوا بحاجتهم إلى تجديد تنكيرهم وحياتهم قبل أن تغزو حملات الغرب شواطئ تلاد العرب.
ولقد انتهت هذه المعركة بفشل نظرية (الغريب الكامل) واثبتت المعركة حيوية الشخصية الإسلامية وقدرتها على المقاومة ومواجهة الاحداث والتطور، والاقتباس دون القضاء على الملامح الأصلية للشخصية الإسلامية، على ضوء تجربة سابقة للغرب، فهم قد أخذوا في الماضى عن اليونان والفرس ولم يفقدا شخصيتهم، وتأكد الغرب بأن العرب لن يتخلوا عن ماضيهم ولن يقيموا فكرهم الحديث الا على أساس من قيمهم العربية الإسلامية الأصيلة.
وقد أحس الاستعمار بأن المعركة أوشكت أن تنتهي بانتصار الفكر الغربي فحاول بعد الحرب العالمية الثانية تجديد أسلحته وتقدم ليدخل معركة أخرى بعد عام ١٩٤٦ أشد هولا، وقد بدأت أسلحته تزداد حدة وعنفا وهذا هو موضوع دراستنا في المرحلة القادمة.
وبعد فهذه دراسة سريعة شاملة لتطور الفكر العربي الإسلامي المعاصر تصور موجهته لمعارك التغريب والتجزئة والتبيعة الثقافية في خلال المرحلة فىما بين الحربين ١٩١٩ - ١٩٣٩ في مجال المسائل الكبرى: التعليم والسياسة والمجتمع والمرأة والقومية العربية واللغة العربية والصحافة والدين.
وهى تكشف في صراحة وصدق عن جميع المعالم والتيارات والحركات التي اشتملتها في هذه المعركة في خلال هذه الفترة الدقيقة الحرجة، فترة ما بين الحربين العالميتين.
واعتقد أن هذه هى الدراسة التمهيدية لأكشف عن هذه الفترة التي يمكن ان توصف بأنها كانت المحاولة لوضع أسس بناء الفكر الإسلامي والثقافة العربية والمجتمع العربي، وكل ما يمكن أن توصف به هذه المعركة في كلمات: أن الفكر العربي الإسلامي لم ينهزم بالرغم من القوى والأسلحة والمؤامرات التي تجمعت للقضاء عليه. وأنه استطاع أن يقاوم بقوة وعنف وأن يكشف عن أصالة وحيوية وقدرة على التطور والتلقى والاقتباس مع الاحتفاظ بمعالمه الأصيلة.
أنور الجندى