-٣ -
حملات التعصب
وليست هذه الحملات التي عرضناها الا نموذجا لعديد من الحملات المتصلة القائمة على الهوى، وقد قام بها كتاب وقصص وقضاة جندهم الاستعمار في خدمته للانتقاص من الأمة العربية ومقدراتها، واتهامها بمختلف الاتهامات.
قال القاضى "مارشال" أن ما بين المسلمين والأقباط في مصر كما بين المسلمين والهندوس وأثنى على مصطفى فهمى رئيس الوزراء الذي أبقاه كرومر ثلاثة عشر عاما رئيسا للحكومة وقال: أن مصطفى فهمى بكل تأكيد ليس مصريا وقال ان دم سعد زغلول ربما كان مزيجا من الدم الأوروبى. وقال ان المصري يمقت كل دين غير الإسلام ولا يعطف الا على الطغاة الذين يعاملونه بحزم.
وقال مسيو لوى برتران في كتابه «بازاء الإسلام» أن الأوربى النازل إلى مصر لم يبق موضع التقديس والمهابة، وان المصريين يعطفون على الأمير عبد الكريم الخطابى ويجمعون له الأموال وعبد الكريم ومن معه ليسوا الا ثائرين على فرنسا. وان مساجد المسلمين تشعر أن أهل البلاد يعيشون في طمأنينة لا يخشون أغارة مغير ولا عدوان معتد، بينما كنائس النصارى في صورة القلاع تدل على أنها عرضة لغارة هؤلاء انهمج عليهم.
وقد رد عليه الدكتور: هيكل في السياسة الأسبوعية (٢٠/ ٣/١٩٢٦) مقال: ان مسيو برتران يريد أن يعلن أن قومه أكرم عنصرا وأشرف مقاله في الانسانية من الشرقيين ومن المسلمين، فليعلم أن الزمن الذي أتاح لأوروبا أن "حكم العالم ردحا من الزمن قد أتاح مثل ذلك من قبل لأمم آسيا ولأمم أفريقيا، ومصر قد حكمت العالم عصورا عديدة وقد صبغت العالم بمدنيتها ولعل أهلها يومئذ كانوا يعتقدون أن الأجناس التي تقطن أوربا كلها همج وبرابرة ومتوحشون.
وهناك كتاب "فوليتر" عن النبى محمد الذي رفعه إلى البابا وكتب مقدمته يقول "فلتأذن قداستك في أن أضع الكتاب ومؤلفه تحت قدميك. ولتستغفر قداستك لعبد خاضع من أشد الناس إعجابا بالفضيلة، اذ تجرأ فقدم إلى رئيس الدسانة الحقيقية ما كتبه ضد مؤسسى ديانة بربرية كاذبة ..
ومن هذه الحملات حملة الكردينال لا فيجرى على الرقيق (يوليو ١٨٨١) والتي ادعى فيها بأن سوء معاملة الرقيق أمر يبيحه الإسلام ومن مغالطاته قوله: أن الرق قد ألغى منذ عشر سنين في معظم البلاد الإسلامية بتقيدا للمعاهدات التي عقدت بينها وبين انجلترا.
وقد تصدى للرد عليه المؤرخ أحمد شفيق ١٨٩٠ بمؤلف بالفرنسية عن الرق في الإسلام قال فيه أن الدين الإسلامي لا يبيح في أى حال من الأحوال معاملة أحد من الناس معاملة الرق اذا كان أبواه مسلمين حربين، ولا يكون الاسترقاق الا في الحرب، ومع ذلك فهو مقيد بشروط وروابط معلومة، وأن الشريعة الإسلامية تأمر تابعيها بالتزام الرفق والرأفة مع المملوكين.
وقد تحدث اللورد لويد في كتابة «مصر منذ عهد اللورد كرومر» الذي أصدره عام ١٩٢٩ عن البلاد العربية فقال أنها لا تزال كل قرية فيها حتى اليوم تمثل الحوادث والتقاليد والعادات التي سمعنا بها في أيام الطفولة. والنساء يطحن الحبوب بالرحى اليدوية والثيران تدرس الحصاد حول الجرن، ومن دواعى الأسف أن الذباب لا يزال يحوم على الصيداية ويجعل ما نصنعه من العقاقير ذا رائحة كريهة.
وقال: أنه لا يظن أحدا في رأسه عقل يصدق أن بريطانيا ستمنح الهند حكما ديمقراطيا بمعنى الكلمة أو استقلالا تاما، وتساءل عن فائدة الاستقلال في مصر وفلسطين والهند للجماهير.