للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هيكل عن محمد وأبى بكر وعمر والإسلام، وهكذا كانت الكتابات الأدبية والدينية اسلحة من أسلحة السياسة لكسب الجماهير وترويج الصحف.

أما الصحف المحايدة (الأهرام- المقطم) فقد فتحت صفحاتها لكل دعوة وكل رأى، وتركت هذه الآراء تصطرع وتتقاتل، وكان لهذا أثره البعيد في خلق جو من البلبلة والاضطراب.

وعاشت الصحف المحايدة على ارضاء الاستعمار والحكومات المتوالية بينما عاشت الصحف الحزبية على تأييد أحزابها ومهاجمة خصومها دون تقدير لأى عمل مهما كان نصيبه من النفع أو الضرر، ولذلك فان صحف أى حزب كانت تنعم بالهدوء ما دامت أحزابها في الحكم فاذا تخلت عنه واجهت الصعوبات من تحقيقات ومحاكمات ومصادرات.

وكأنما كانت أقلام الصحف مستأجرة للأحزاب والصحف، لذلك كثر التناقض في أفكارهم وكان لهم مواقف من بعض الأحداث ومواقف مضادة من مثل هذه الأحداث.

وهيكل وطه حسين وكتاب السياسة الذين كانوا ينادون بحرية الرأى ويحملون لواء حماية الدستور والحياة النيابية هم الذين أيدوا محمد محمود أبان حكمه الحديدى عام ١٩٢٩ عندما ألغى الدستور وأوقف الحياة النيابية واستطاعوا ان يجدوا من المبررات ما يجعلونه مادة دفاعهم عن هذا العمل الذي يتناقض قطعا مع أفكار الحرية التي طالما أعلنوها، وقد أيدوا بالبرهان والمنطق - الذي كان سلاحهم دائما - تحديد حرية الصحافة ومحاكمتها ومصادرتها ومقاومتها وألغي محمد محمود رخصة مائة صحيفة وعطل وأنذر عشرات الصحف المعارضة (وكذلك فعل إسماعيل صدقى). (عام ١٩٣٠) ثم اذا بهم يواجهون المعركة بطريقة مضادة في عهد صدقى باشا عندما ألغى الدستور وأقام دستورا جديدا وأضطهد الصحف ومن بينها صحف الأحرار الدستوريين، هنالك عادوا إلى الدعوة إلى الحرية وحماية لدستور متناقضين مع أنفسهم ولم يمر عام واحد على المعركة الأولى.

ويبدو التناقض في موقف صحف الأحرار الدستوريين في كتابات هيكل وطه حسين وغيرهم من سعد زغلول الذي كان خصما للأحرار فاذا هم من هو ضعفا وسقوطا وفشلا وتسلطا، فاذا قام الائتلاف عام ١٩٢٧ بين الوفد والأحرار اذا سعد زغلول - في كتاباتهم - مثل رائع للبطولة والكفاية.

ويمكن القول أن الصحافة في هذه الفترة غلبت الجوانب الشخصية والحزبية على الجوانب الوطنية، وغلبت الخلاف الداخلى والصراع على كرسى الحكم على القضية الوطنية ذاتها.

كما سجلت عنفا لا حد له في الهجاء والنقد السياسى استعملت فيه عبارات وأساليب غاية في القسوة والحدة والاتهام.

وقد وقفت الصحف في صف أصحاب رءوس الأموال والاقطاعيين ووجهات نظر النفوذ الاجنبى من جميع المسائل التي عرضت لها في مجال الاجتماع أو الاقتصاد أو الزراعة أو الصناعة.

ورسمت الصحف لشخصيات لورنس وغردون وبلفور وهرتسل وفيصل وعبد الله ونورى السعيد ومصطفى فهمى صورا من البطولة. ووصفت الأهرام ثورة سورية ١٩٢٥ بالعصيان ووصفت الثوار بالعصاه، كما هاجمت الاهرام ثورة عبد الكريم في المغرب ١٩٢٦ لحساب فرنسا وانساقت في تيار الاستعمار الخفى فنشرت - هى والمقطم - صفحات عن ما سمى حقوق اليهود في فلسطين واحتفلتا بتكريم موسى بن ميمون في دار الأوبرا وكانت وجهة نظرهما بالنسبة لليهود في فلسطين قريبة من وجهة نظر الانجليز واليهود.

واستعملت الصحف المحايدة الأسلوب المرن الذي يحمل أكثر من معنى، كما حملت لواء لدعوة إلى العامية، وأيد (الأهرام) النفوذ الفرنسي ودافع عنه بينما أيد المقطم النفوذ البريطانى ودافع عنه.

وكانت الصحف المحايدة قوة كبرى لا سبيل إلى مقاومتها، فبينما كان الحزب اذا تولى الحكم يحطم صحف خصومه, كانت الصحف المحايدة تلقى المعونة والتقدير فتعيش وتقوى ويشتد ساعدها، بينما تختفى الصحف الوطنية وتغلق أبوابها. وقد داومت الأهرام الاحتفال بأعياد فرنسا ووجهت اليه التحية والتقدير: وكان يوم ١٤ يوليو هو صاحب افتتاحية الأهرام وقالت "مى" في هذه المناسبة (١٤ يوليو ١٩٣٠) تحية لعيد الحرية، تحية لفرنسا، يا من علمت الانسان بأن له اسما وأن له حقا، ولكنك في نفس الوقت اوحيت اليه بأمثولة الألم والجهاد العتيد.

<<  <   >  >>