للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولقد اتصل محمد على بفرنسا وكان هذا هو أساس تركيز الثقافة الفرنسية في مصر لتكون من معاقلها أسوة بلبنان والغرب.

ولقد كشفت فرنسا عن تبعية الحضارة الغربية وبعدها عن العمل الخالص لخير الوطن الذي تتصل به, عندما اشتركت فرنسا مع سائر الدول العربية في ضرب أسطول مصر في "نفارين" وسحبها قادتها البحيرين وضباطها الذين كانوا يعلمون مع الحملة الصرية في سوريا وكان هذا درسا ضخما للوطنية العربية في عدم اعتمادها على الغرب.

وقد حرصت فرنسا على دعم الروابط الثقافية بينها وبين الوطن العربي, أما في لبنان فقد سيطرت فيها الثقافة الفرنسية سيطرة كاملة عن طريق الارساليات الكاثوليكية.

أما في مصر فقد تنازعت الثقافة الانجليزية واللغة الانجليزية الثقافة الفرنسية بعد الاحتلال البريطاني عام (١٨٨٢) وأن ظلت سيطرة الثقافة الفرنسية قائمة بدافعين, الأول محاربة النفوذ البريطانى- فقد كان المصريون يقبلون على الثقافة الفرنسية بدافع وطنى حتى لا يتعلموا لغة المستعمر ولا ثقافته, وكانت الطبقة الحاكمة من القصر إلى الوزراء والأمراء وكبار رجال الدولة من اتباع الثقافة الفرنسية, حتى كانت اللغة الفرنسية والى قبل الحرب العالمية الثانية هي اللغة الرسمية في المكاتبات حتى مع بريطانيا, وكان المفاوضون المصريون وفي مقدمتهم سعد زغلول لا يتحدثون ألا باللغة الفرنسية

ويتناولون نصوص العاهدات ومداولاتها بها ماعدا فئة قليلة من السياسيين الذين خرجتهم كلية فيكتوريا التي كانت دعامة من دعائم الثقافة البريطانية, ولقد ترددت في مصر دعوات كثيرة لخدمة الثقافة الفرنسية وكانت أضخم الصحف العربية في مصر (الأهرام) تحمل لواء الدعوة إلى الثقافة الفرنسية وتهاجم الاتجاهات البريطانية السياسية خدمة لصالح فرنسا الاقتصادية والثقافية, وعلى الجملة فقد كان الاتجاه الثقافي الفرنسي يعانى مقاومة الاستعمار البريطانى ومعارضته.

وكان للمدارس الفرنسية التي اتسع نطاقها أثرا كبيرا في تأكيد هذا التيار ودعمه, فضلا عما كانت تنشره الصحف في مختلف المناسبات وسقوط الباستيل وعيد جان دارك والدراسات المتعددة عن كتاب الثورة الفرنسية وأبطال فرنسا وقناة السويس.

وكانت الدعوة التغريبية الفرنسية "حضارة البحر الأبيض المتوسط" من الروابط الوهمية التي أقامتها فرنسا لتربط بينها وبين مصر ولبنان والمغرب باعتبارها جميعا دولا يجمعها مناخ البحر الأبيض ووحدته الجغرافية.

وتردد ما قيل من أن لكل انسان وطنان: وطنه الخاص وفرنسا, وما كان يردده سفير مصر في فرنسا اذ ذاك قوله: بين بلدينا الاذن يصل بينهما البحر الأبيض ولا يفصل بينهما شئ تزداد علاقات الصداقة والثقة المستمرة وفي خلال مياه النيل والرون التي يمتزج في البحر المتوسط يجرى تيارات من تيارات الصداقة وفي خلال الأمواج المتتابعة في تيارها نحو مصر تبدو لؤلؤة البحر المتوسط جزيرة (كوركسيا) حيث ولد نابليون".

ومما يتصل بهذا قيام الجمعيات الثقافية الفرنسية في مصر وقيام معاهد متعددة فرنسية في روما وأثينا ومصر وسوريا وتركيا لنشر الثقافة الفرنسية, كما قامت أكاديمية البحر الأبيض المتوسط التي وصفتها مجلة الرسالة بأن مهمتها أن تساهم في تأدية هذا الدور الذي تضطلع به فرنسا في توجيه الثقافة في البحر الأبيض المتوسط وأن اهتمام فرنسا بتوجيه الثقافة في امم البحر الأبيض المتوسط يرجع إلى عهد الصليبيين فقد بدأت فرنسا هذه المهمة فعلا في لينان منذ القرن الرابط عشر الميلادى.

ولطالما ردد الأهرام (١/ ٥/١٩٣٨) بأن مصر ابنة فرنسا البكر في الثقافة, وقد قال مسيو فرنان برون سكرتير جمعية (فرنسا-مصر) أن فرنسا منذ ١٨٠٢ قد ساهمت في تكوين خير المصريين وتثقيف عقولهم "وهي-أى مصر-ابنتنا البكر في المشرق كما قال سعد زغلول".

ومع هذا فان عددا من كتاب فرنسا المشهورين الذين زاروا مصر أمثال اندريه مروا وبول موران فرنسيس كاركو, واندريه سجفريد, وادوار هريو قد كتبو عن مصر كتابة مشوية بروح السخرية والانتقاص.

ودعت الكاتبة الصرية "الفرنسية الثقافة" سيزانبراوى منذ عام ١٩٢٩ إلى نشر الثقافة اللاتينية في مصر لأنها تتفق مع استعداد المصريين وميولهم وأن علينا أن ندخل الغة الفرنسية في التعليم الثانوى وأن محاولات بريطانيا بانشاء مدارس انجليزية لم يضعف أثر الثقافة الفرنسية.

<<  <   >  >>