ما رسم من خطط جديدة بعد الحرب العالمية الثانية لاقتحام الريف بعد عجز التبشير والتغريب عن اقتحامه في الفقرة التي نبحثها.
وقد انقسم الراى بين الفكرين في "نقل" الثقافة الغربية أو " اقتباسها" ودعا زكى مبارك إلى ما أسماه "الاستيعاب"وفى مقال له (هلال نوفمبر ١٩٣٦) عن الثقافة العربية وهل ينبغى استقلالها عن الثقافات الاجنبية: قال: نحن نريد أن يكون للأمم العربية ثقافة لها خصائص وأصول. ولكننا ننكر انقطاعها عن الثقافات الاجنبية وقال ان في اللغة الانجليزية ألف كلمة عربية تدور على الألسنة في الخاطبات والمكاتبات.
ودعا إلى " استيعاب" الثقافات الأجنبية وقال: يحسن حين يمكن ذلك أن نهضمها بحيث تصبح عنصرا من ثقافتنا القومية. وقال: لا أوصيكم بالفناء في الآداب الأجنبية, ولكن أوصيكم بالتخلق بأخلاق الأقوياء من الاجانب وعهدى بهم ينقلون إلى لغاتهم ما يملكون نقله من جيد الآراء ثم يتصرفون تصرف البقريين لا تصرف الناقلين, وقال أن العرب القدماء قضموا أكثر ما عرفوا من الثقافات الأجنبية ثم فرضوا ثقافتهم على من اتصل بهم من الناس.
وعرض الباحثون لنظرية ابن خلدون عن " ولع المغلوب بتقليد الغالب" وما أورده شينجلر في نظرية (التشكل الكاذب) حيث قال: أن التشكل الكاذب يحدث عندما تضغط خضارة كبيرة قوية على حضارة قديمة ناشئة فتصبها في قالبها وتعطيها أحيانا شكلا كاذبا لا يمت إلى شخصيتها الحقيقية العميقة بصلة"
ويتصل بهذا فشل النتائج التي ترتبت على نقل الأنظمة السياسية والاجتماعية عن البلاد المثقوفة, فان هذه الأنظمة قد طبقت في الوطن العربي تطبيقا شكليا تقليديا دون تقدير لفوارق البيئة والزمن والطبيعة.
والواقع أن البلاد العربية كانت في حاجة إلى أن تمر بمرحلة يقظة حرة لا ضغط فيها هى مرحلة "التكيف" وصوغ أنظمة تتفق مع تراثنا وتتمشى مع ملامح شخصيتنا ومعالمها وتطورها غير أن الاستعمار حال دون ذلك.
ويمكن القول بأن (الحضارة المادية) يمكن نقلها واقتباسها, ولكن (الثقافة الفكرية) نجد من العسير نقلها نقلا كاملا. وفي هذا ما قاله غاندى (اننا لم ننهمك في النظريات بحثا عن حياتنا, وانما انهمكنا في حياتنا بحثا عن النظريات فلم نترك أى عقائد تفرض وجودها على غير واقع, توجه سير أحداثنا وتصنع تاريخنا).
ودعا توفيق الحكيم (الأهرام-١٣/ ٥/١٩٣٨) إلى أن ننخرط في سلك الامم الاوربية- اذا لم تكن لنا قدرة على خلق حضارة شرقية, أما اذا كان للشرق رسالة-كما يقول الدكتور هيكل- وكان الشرق هو النوط باصلاح ما فسد في الغريب, فان أول خطوة ينبغى أن نخطوها انما هى اعادة النظر في الحضارة الأوربية ووصل توفيق الحكيم إلى غايته حين قال: أنك قد تستطيع ان تقتلع من رأس الشرقى عظمة السماء ولا تستطيع مطلقا أن تقتلع منه عظمة (العلم الأوربى الحديث) وانه من اليسير ان تسفه عند الشرقى الآن رسالة الأنبياء ولا يمكن أن تسفه رسالة الصناعة الكبرى, نعم اليومى لا يوجد شرق " ولاشك أن توفيق الحكيم قد جاوز الحق في هذا التصوير لتحول الشرق عن الروحية إلى المادية.
وقد جرى البحث عن نهضة الشرق وهل هى عربية أم عربية وتعددت الآراء, ولكنها في الاغلب مجمعه على "الاقتباس" لا النقل (الهلال م ٣١) قال ميخائيل نعيمة: أن القائل لا غالب الا الله (أى الشرق) لأحكم في نظرى من القائل لا غالب الا انا (الغرب) وأن الغرب أحوج إلى مدرسة الشرق.
وقال سلامة موسى: ليس هناك حد يجب أن نقف عنده من اقتباسنا من الحضارة الاوربية.
ودعا لطفى جمعه إلى "الاقتباس" من الحضارة الغربية: الاشتراكية ومحو تعدد الزوجات والغاء الطربوش والحبرة وتوجيه التعليم إلى الكيمياء والطبيعة والرياضيات.
وقال أنيس المقدسى: ان جامعة الشرق العربي هى اللغة وليست الدين وحذر من تقليد الغرب تقليدا اعمى يذهب بشخصيتنا.
وقال جبران خليل جبران: ان الغربيين في الماضى كانوا يتناولون ما نطبخه فيمضعونه ويبتلعونه محولين الصالح منه إلى كيانهم الغربى, أما الشرقيون في الوقت الحاضر فيتناولون ما يطبخه الغربيون ويبتلعونه ولكنه لا يتحول إلى كيانهم الشرقى بل يوحلهم إلى شبه غربيين: