العالمية, والنظرية أصلا تقوم على أساس ثبت بطلانه وهو الفرق بين الأوربين والساميين من الناحية العقلية أو الثقافية, وبالرغم من هذا فان طه حسين ناقض نفسهأكثر من مرة وهو ينقل نظريات التغريب وحمل لواء آراء المستشرقين والمبشرين ودعاة الغزو الثقافي حين قال بعد بنظرية البحر الأبيض وغيرها من النظريات المتعددة التي لم يقصد بها الوصول إلى حقائق معينة وانما إلى بلبة الفكر العربي بعشرات من النظريات المتضاربة المتعصبة التي تهدف إلى اثارة الشك وخلق روح الشبهات وولادة مذهب الاحتقار والاستهانة لقدراتنا وتتبيع الفكر العربي الإسلامي للفكر الغربي ليكون صورة بالكربون منه تضيع منها ملامح الشخصية العربية ومقومات كياننا الروحى وطابعنا الانسانى.
ولقد كان الهدف الأساسى للغزو الثقافي الغربي هو خلق جو من البلبلة والتشكك بتعدد ضروب الثقافات التابعة لها وأديان الهيئات الدينية التي قامت بانشائها وهى في مجموعها تخرج مجموعا مبلبلا من المتعملين والمثقفين الذي يختلف في الرأى والنزعة والاتجاه بين التعليم الدينى الإسلامي الذي يقوم به الأزهر والقرويين والزيتونة والمدارس اللاهوتية البرتستانية والكاثوليكية والأرثوزكسية وبين اللغات الفرنسية والانجليزية وبين تيارات الثقافات اللاتينية والسكسونية مما يخلق تنوعا عجيبا يحول دون وحدة الفكر العربي الإسلامي والقاء المثقفين العرب أمام أهداف موحدة وخاصة فى:
(١) مسائل الحرية والقومية والتحرر الفكى والتبعية الثقافية وقد ظهر ذلك واضحا في اعجاب المثقفين العرب بالثقافة الفرنسية والتبعية لها.
وفي (٢) النظر بعين الاستهانة إلى التاريخ العربي واللغة العربية والتراث العربي كله والتطلع إلى النقل من الثقافة الغربية حتى في الجوانب التي يبدو غناها واضحا في الفكر العربي الإسلامي, وهذا هو أثر سيادة النزعة الاجنبية في برامج التعليم التي سيطرت على الوطن العربي, خلال قرن كامل (١٨٤٠ - ١٩٤٠) حيث حرصت هذه المناهج على حجب مفاهيم الحرية وتاريخ الكفاح والانتصارات من البرامج الدراسية والكتب والصحف حتى لا يكون عاملا في تغذية الشعور القومى وقد صدرت عشرات المؤلفات حتى خلال هذه الفترة عن الثورة الفرنسية وأبطال أوربا وكتابها وفلاسفتها وعن مدن باريس ولندن ولم يصدر بما يوازى واحد في المائة منها عن أبطالنا وأعلامنا ومدننا وتاريخنا.