واستهانتها في التضحية من اجل الحرية والدفاع عن الحمى وكرامة الوطن.
وكانت معركة " التحدى والاستجابة " معركة ضخمة، ظلت تدور رحاها خلال الفترة التي نؤرخها، بين الاستعمار بأسلحته وقواته ووسائله، وعملائه وأغرائه وحملاته التغريبية، وسلطانه على الحكم والتعليم والصحافة والاذاعة والسينما في الوطن العربي كله، وبين قوى الأمة ممثلة في قادتها ومفكريها حيث استيقظت لتدافع عن وجودها وتدعم من كيانها، وقد اندفعت أقلامها تكتب داعية إلى الجهاد والغداء والمقاومة بينما كانت حركات الاصلاح تجرى في محيط الدين والمجتمع والفكر والتعليم والاقتصاد، فقامت جمعيات الشبان المسلمين والاخوان والرابطة الشرقية، وبنك مصر وانشئت مدارس الجمعية الخيرية الإسلامية وجرت اصلاحات في الأزهر وتجديد في أساليب دراسة العقيدة واللغة والمجتمع والمرأة. وتوحيد في الجهات الداخلية ازاء المستعمر ممن يمكن القول معه بأن الاستعمار هزم في معركته الأولى، وتحطت أسلحته. وكسبت الأمة العربية الجولة الأولى.
فقد بقيت اللغة العربية وبقى الإسلام وتحرر
الاقتصاد ونقض التعليم منه آثار الاستعمار. وفشل التبشر، وتحطمت دعاوى المستشرقين وانكشفت اتهاماتهم المتعصبة.
ولكن هل توقف الاستعمار على أثر الهزيمة التي منى بها، ذلك لم يحدث مطلقا، فقد جدد الاستعمار خططه وبدأ معركة جديدة بعد الحرب العالمية الثانية ليس هذا موضع بحثها.
وجملة القول في هذا المدخل، أن أمتنا قاومت الاستعمار والغزو العسكرى والثقافي وواجهت الحملات المختلفة بايمانها. وفرضت رأيها في الحضارة فرات أن هذه الحضارة ليست غريبة خالصة وأنما هى تراث الانسانية كلها وقد شارك فيها الشرق من قبل وقدم لها خلاصة جهده وتجاربه ما أوصلها إلى مرحلة القوة والفعالية، كما فرضت البلاد رأيها في الثقافة الغربية فانكرت قول القائلين: بقبولها جميعا خيرها وشرها، ما يحمد فىها وما يعاب، وتحررت من التبعية، وأعلنت حقها في أن تقبل منهاجها في البحث، حيث جددت بها تراثها، ورفضت مالا يتفق مع معالم شخصيتها وقيمها وكيانها وأمجادها.