للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

للقضاء على ثورة فلسطين وخداعها، غير أن فلسطين كانت هى بؤرة القومية العربية والالتقاء الحقيقى بين الأجزاء العربية التي حاول الاستعمار فصلها، وفي ظل هذه الحركة عادت مصر إلى مكانها في الصف العربي.

وفي خلال هذه الفترة اندلعت ثورات متعددة في الوطن العربي، كانت في مجموعها تطالب بالحرية والاستقلال، ولكنها كانت ترنوا من وراء الاستقلال إلى ما هو أبعد من ذلك وهو الالتقاء مرة أخرى في وحدة من أى نوع أو هو ما يوصف بعودة الأجزاء إلى وضعها الطبيعي.

وقد ارتفعت أصوات: محمد الخضر حسين وعبد العزيز الثعالبى وهلال القاسى وعبد الحميد بى باديس وأمين الريحانى وشكيب أرسلان وعبد الرحمن عزام وساطع الحصرى والدكتور شهبندر والكاظمى والشبيبى والزهاوى والرصافى تدعو إلى الوحدة والتجمع.

وكانت مؤامرة "تهويد" فلسطين مدعاة لأن بيجر أمين الريحانى من أمريكا إلى الوطن العربي ليلتقى بالأمراء والملوك ويسيح في قلب الجزيرة العربية باحثا وراء الوحدة وهو ينادى "انى وان كان لبنان وطنى الصغير وسوريا وطنى الكبير فانى أنتسب إلى الأمة العربية وطنى الأكبر .. وأنى وان كانت المسيحية دين آبائى وأجدادي، فانى أدين بدين كل من قال بالوحدة العربية وتجديد مجد العرب" وجرى العمل في كل مكان في سبيل تحطيم الحواجز التي كان يحرسها الاستعمار ويعززها وما كادت الأقطار العربية تتحرر وتحصل على الاستقلال حتى بدأت بالعمل على تغريب المناهج الدراسية. غير أن عوامل المقاومة ما لبثت أن برزت، قامت قوة عربية فعالة في الجيش العراقي، وغير كثير من الكتاب آرائهم في الاقليمية والتجزئة، ومن هؤلاء محمود عزمى الذي اضطر بعد زيارته لبعض أقطار البلاد العربية أن يعلن أن الرابطة العربية هى آمن الروابط التي يصح أن تقوم عليها مساعينا، بل أنها الرابطة الوحيدة التي يجب أن نستند اليها في تطورنا المحتوم، ومعنى الرابطة العربية أنها تلك التي تستند إلى حوادث التاريخ التي وحدت بين نوع التفكير ونوع الحياة وأساليب الحكم وقواعد الاقتصاد في تلك الكتلة المتصلة من المحيط الأطلنطى إلى الخليج الفارسى والثقافة والحضارة والمطمح الأعلى انما هى العناصر الفعالة في توحيد الاتجاه. وهى انما تقوم على واقع جغرافى وعلى واقع اجتماعى يؤيدهما واقع روحى عظيم".

وبدأت معركة الاستعمار في الغزو الثقافي في سبيل دعم التجزئة تضعف، فالحفريات والبحث عن الآثار القديمة وكشف حضارات البابليين والآشوريين والكلدانيين والحبيين والفراعنة لم تعد لها تلك الرنة الأولى، بل أخذت ترسم صورة ماض عظيم لأمة عربية عظيمة، وظهرت النظريات التي تقوم أن كل الموجات التي اندفعت إلى العالم العربي وأقامت معظم هذه الحضارات انما خرجت من جزيرة العرب وفي مقدمتها: الفرعونية والفينيققية، وتشكك الناس في الكتب التي ألفت في البلاد العربية لتربط هذه الأفكار بالماضى القديم أو تعزز التجزئة، ولم تفلح نظرية الأدب المصري والأدب السورى والأدب العراقى وفشلت نظرية عزل الأدب عن قضية الحرية والمقاومة والتجمع والوحدة.

وفي العراق تحطمت نظرية الأشورية، وعجز الاستعمار عن أن يفرق بين العرب والأكراد على أساس دعواه الباطلة بأن العراق ليس شعبا واحدا.

وبالرغم من أن فرنسا عزلت تونس والجزائر ومراكش عن العالم العربي عزلا تاما فان عددا كبيرا من رجاله اقتحموا الأسوار إلى مصر وسوريا والحجاز ورفعوا صوتهم وفضحوا أساليب الاستعمار الفرنسي وانضمت جموع من المثقفين إلى معاهد الشرق العربي.

وكان عبد العزيز الثعالبى صوتا حيا مدويا، فهو أول من دعا عام ١٩٣٤ إلى قيام ثقافة عربية خالصة مستقلة عن الفكر الغربي على أساس مقوماتنا وتراثنا ولا يمنع ذلك من أن نقتبس ما نراه صالحا من الثقافة الغربية.

***

وجاء إلى الأزهر كثيرون من ليبيا والمغرب كله، وتنادت البلاد العربية في كل مكان عند أى حدث أو أزمة في احداها، ووصل صوت الرصافى إلى تونس وصوت المنفلوطى إلى ليبيا وصوت المغرب إلى فلسطين.

وقام عبد الحميد بن باديس واخوانه بأضخم عمل في تاريخ الفكر العربي المعاصر في الغرب فقد أنشأ ثلاثمائة مدرسة في مساجد الجزائر في مدنها وقراها ودساكرها تعلم القرآن واللغة العربية وتقاوم خطة فرنسا في القضاء على العربية والإسلام.

وهو داعية من دعاة الوحدة العربية ومن ذلك قوله "أن لنا وراء هذا الوطن الخاص أوطانا أخرى عزيزة عليناوهى منا على بال فيها تعمل لوطننا الخاص".

<<  <   >  >>