للإسلام إلى مقاومة هذا التيار الخاضع للاستعمار. وقد صور محمد عبده الطرق الصوفية بأنها: هذه الفئات التي "من خليط من الناس جمعتهم وحدة الفرار من الدنيا وحب الكسل والابتعاد عن أى عمل يعود على الانسانية بالنفع، وهم اما فاشل عجزت نفسه عن السير في طريق الحياة والأخذ بالأسباب والمسببات. وهم أما مسخ مشوه منبوذ في المجتمع واما طريد من طرداء العدالة أراد أن يتستر وراء هذا المظهر الخادع حتى يفلت من القصاص وأما شيخه قد ألقى في روعه أنه حبيب الله وصفيه وقد وجد لهؤلاء أنصار ومحبذون يؤيدونها وينشرونها بين الجماهير فيخدرونهم بمخدرهم السام، وهم يلقون في روع الناس أن الحياة الدنيا دار فناء ويأخذون في ذمها وتنفير الناس من العمل السليم ومما يؤثر عنهم قول العامة أن الرزق ليس بالشطارة وأن المجتهد قد لا يكون له نصيب من الحياة وأن الخامل قد يصبه المجد فيها وأن الدنيا دار فناء والزهد خير من التمسك بها .... " أ. هـ.
ومما يذكر في هذا الصدد أن ألاستعمار قد أفاد من جموع ألصوفية في رسم صورة مزرية للشعوب التي احتلها، وقد نشرت الصحف أن ١٨/ ٤/٣١ احتفالا في تكية المولوية بالحلمية الجديدة قد حضره الأجانب من فرنسيين وأمريكان وألمان وانجليز وثلاثة وزراء مفوضين وقالت ان الدراويش قاموا وانتظموا في حفلة الذكر المستديرة وأخذوا يذكرون الله. وكما أحتدم الموسيقيون في عزف الأناشيد رأيت الدرأويش قد احتدوا في اللف والدوران على نحو بديع".
وقد كانت تنقل هذه الصورة إلى أوربا على أنها هى صورة "الإسلام" وقد ظهرت في خلال فترة سيطرة ألاستعمار على الوطن العربي عديد من الطرق التي لم يكن لها هدف سوى خلق روح القدرية والنكوص عن الجهاد ومخالفة مفاهيم الإسلام في الحرية والجهاد، أما السنوسية والمهدوية فقد آمنت بمفاهيم ألإسلام وقامت دعوتهما على أساس تحرير الوطن من الاستبداد العثمانى ومقاومة النفوذ الأجنبى وجهاد المهدوية ضد الانجليز وجهاد السنوسية ضد ايطاليا معروف.
وقد صور "أحمد توفيق المدنى" ما تطورت اليه الزوايا الصوفية في الجزائر بعد الاحتلال الفرنسي (ك/ الجزائر - ١٩٤١) حيث "انقلبت الزوايا بعد مؤسسيها الأولين إلى معاهد خرافات وأباطيل تستثمر غفلة العامة وبلههم فتنال منهم مال السحت الذي يدفعونه بصفة نذور وينفقه رجال الزاوية على ملاذهم وملاهيهم ومنكراتهم، وقد آل أمر الكثير من هذه الزوايا والطرق إلى احداث وثنية في الإسلام وأصبح شيخ الطريقة يتصف بأوصاف (الريوبية) فهو الذي يعطى ويمنع ويقبض ويبسط، وتطور الأمر إلى اقامة حفلات مؤلمة في مواسم معينة بقصد جلب السواحين، يقومون بدور المهرجين في الملاعب، والأوربيون يعتقدون أن ذلك هو عين الإسلام، هذه المنكرات الدنسة جعلت المتنورين ينفرون من الإسلام وينبذونه، ولذلك فقد قامت في الجزائر حركة اصلاحية جسيمة ضد هذه المنكرات على رأسها "الطيب العقبى" الذي كرس حياته وكتاباته لدحض مفتريات المفترين".
وأشار "علال القاسى" في كتابه "المغرب العربي" عن دور الطرق الصوفية في مراكش قال "أن الدعاية الفرنسية جندت في الشمال الأفريقى قسما كبيرا من مشايخ الطرق الصوفية الذين اعتادوا أن يعملوا لمصلحة رجال الحكم أو الذين خلقتهم الادارة الفرنسية لتسخيرهم في أغراضها فاشتغل محمود التيجانى في الجزائر وعبد الحى الكتائى في المغرب وابن عزوز في تونس دعاة مقحمسين للسياسة الفرنسية.
وقال: أن الطرق الصوفية كان لها أثر كبير في المغرب العربي ولكن تدهور الأمل وتغلغل الفوضى الاجتماعية في معظم القبائل قلب هذه الطرق إلى منظمات يشرف عليها في الغالب أنتفاعيون نصبوا أنفسهم ليكونوا الوساطة الفعالة بين الحكومات المحلية وبين الشعب، فكانت السلطة لا تستطيع حفظ الأمن ولا جبى الضرائب ولا تعبثه الجيوش الا عن طريق هؤلاء الذين يدعون أنهم يشقون عليها من بركة نفوذهم ما يسهل عليها تحقيق أغراضهم، وقد سار هؤلاء المشايخ يتجولون في القبائل والمدن يبشرون بسقوط الألمان وبشاعة حكم الأتراك وينوهون بقيمة العمل العظيم الذي تقوم به فرنسا وانجلترا في الشرق العربي".
ومما ذكره علال الفأسى أن فرنسا اتجهت إلى انشاء خلافة إسلامية في أفريقيا الإسلامية تحت حكم سلطان فرنسا.
ومما يتصل بهذا أن المسلمين الذين تنئبهوا إلى خطر هذه الفرق على حركة التحرر قد قطنوا أيضا إلى مفاهيم الإسلام الحقة التي تحرفها الطرق الصوفية على النحو الذي صوره الشيخ محمد عبده من الدعوة إلى التواكل والقدرية وتنفير الناس من العمل، وتحت هذه العناوين يمكن دعوة الناس إلى قبول الاستعمار والرضى بالحاكم