- حاصل كلام الناظم رحمه الله تعالى في هذه الأبيات أن حقيقة قول أهل التأويل والتعطيل كفر؛ لأنه نفي لما وصف الله تعالى به نفسه ووصفه به رسوله - صلى الله عليه وسلم - من صفات الكمال، ولكن مع هذا فأهل السنة لا يكفرونهم بذلك لقيام عارض الجهل فيهم، أما مع انتفاء ذلك العارض بقيام الحجة والاستمرار على العناد ومخالفة الكتاب والسنة فهنا يحكم بكفرهم. وفي هذا يقول الإمام الشافعي رحمه الله تعالى: "لله تعالى أسماء وصفات جاء بها كتابه، وأخبر بها نبيُّه أمته، ولا يسع أحدًا من خلق الله قامت عليه الحجة ردُّها، لأن القرآن نزل بها، وصحّ عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - القول بها فيما روى عنه العدول، فإن خالف بعد ذلك بعد ثبوت الحجة عليه فهو كافر، فأما قبل ثبوت الحجة عليه فمعذور بالجهل، لأن عِلْم ذلك لا يقدّر بالعقل ولا بالرويّة والقلب والفكر، ولا نكفر بالجهل بها أحدًا إلا بعد انتهاء الخبر إليه". نقلًا عن العلو للذهبي [اختصار الألباني] ص ١٧٧، اجتماع الجيوش الإسلامية ص ١٦٥. ومما ينبغي أن يُعلم أن الجهل يختلف باختلاف أصحابه وأحوالهم، واختلاف المسائل المجهولة، فكون الجهل عذرًا معتبرًا في مسألة التكفير لا يعني أنه مقبول من كل من ادعاه، فهناك من العلم ما لا يسع المكلف جهلُه، وكذلك لا يستوي من كان بعيدًا عن مظنة العلم كمن نشأ ببادية أو عاش في بلد غابت عنه معالم الإسلام، ومن تيسرت له سبل العلم ونشأ في ديار المسلمين. فالجهل تكتنفه وتتعلق به أمور لا بد من مراعاتها في مسألة التكفير. انظر: الرسالة للشافعي ص ٣٥٧، المغني لابن قدامة ٣/ ٣٥١، بغية المرتاد لشيخ الإسلام ص ٣١١. وسيأتي تقسيم الناظم لأحوال الجاهلين في هذه القصيدة (البيت ٤٤٠١ وما بعده). وانظر في مسألة العذر بالجهل: مجموع فتاوى شيخ الإسلام ٣/ ٢٣١، ٢٨/ ٥٠١، ١١/ ٤٠٩ - ٤١٣، نواقض الإيمان القولية والعملية لعبد العزيز آل عبد اللطيف، ص ٥٩ - ٧٠.