فاذكروا قوله تعالى:{فَلَا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ}(١) واضبطوه على هذا المثال فيرتفع الإشكال، وجوز بعضهم أنه بفتح التاء وضم الصاد وتشديد الراء من الصرِّ بمعنى الشد والربط، والتصرية حبس اللبن في ضروع الإبل والغنم تغريرًا للمشتري، والصر هو شد الضرع وربطه لذلك، فمن ابتاعيا اشتراها بعد ذلك أي بعد أن فعل بها التصرية بعد أن يحلبها من ضرب أو نصر "وصاعا من تمر" أي صاعًا مما هو غالب عيش أهل البلد، وخص التمر لأنه كان يومئذ غالب عيش أهل المدينة، وأخذ بظاهر هذا الحديث غالب أهل العلم.
قال ابن عبد البر: إن لبن التصرية اختلط باللبن الطارئ في ملك المشتري فلم يتهيأ تقويم ما للبائع منه لأن ما لا يعرف غير ممكن تقويمه فحكم - صلى الله عليه وسلم - بصاع من تمر قطعًا للنزاع، والحاصل أن الطعام بدل للبن الموجود في الضرع حال البيع، وأما الحادث بعد ذلك فقد حدث على ملك المشتري لأنه في ضمانه، وقد أخذ الجمهور بالحديث، ومن لا يأخذ به يعتذر عنه بأن المعلوم من قواعد الدين هو الضمان بالقيمة أو المثل أو الثمن، وهذا الضمان ليس شيئًا من ذلك فلا يثبت بحديث الآحاد على خلاف ذلك المعلوم قطعًا، وقالوا: الحديث من رواية أبي هريرة وهو غير فقيه، وأجاب الجمهور بأن له نظائر كالدية، فإنها مائة بعير ولا تختلف باختلاف حال القتيل، "والغرة" في الجناية على الجنين وكل ذلك شرع