للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

التوحيد الفريد القيم: بدأ حلقة، حلقة، ودرة، درة .. إلى ان انتهى برسالة القرآن ودعوة محمد، الرسول العربي (١).

وكما اسلفنا فقد حرص الرسول الكريم على دعوة اليهود للدين الإسلامي وحاورهم وجادلهم وفي بداية الفترة المدنية بعد الهجرة إلى مكه عقد الرسول (ص) حلفاً ومعاهدة مع اليهود تجسد في دستور المدينة لينظم العلاقة بين الامة المسلمة الناشة باليهود ضمن دولة مدنية قائمة على التنوع تجسيدا موضوعيا للرؤية القرآنية للتنوع الديني. فمن بنود هذا الدستور الذي تتجاوز بنوده الخمسين: لليهود دينهم و للمسلمين دينهم ... و من تبعنا من يهود فإن لهم النصر و الأسوة، غير مظلومين و لا متناصر عليهم ... و أن بطانة يهود و مواليهم كأنفسهم .. و أن اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين، و على اليهود نفقتهم، و على المسلمين نفقتهم، و أن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة ... و أن بينهم النصح و النصيحة و البر المحض من أهل هذه الصحيفة دون الإثم، لا يكسب كاسب إلا على نفسه ".

ومن الواضح من هذه المعاهدة التي تكرس تحالفا متينا بين المسلمين و اليهود انها تقوم على المساواة المطلقة و حقوق المواطنة المتماثلة - لإن إختلاف الدين لم يكن له أثر في طبيعة العلاقة بين المجموعتين المتعايشتين، و لم ينحل العقد إلا بغدر قبائل يهود المدينة التي إختارت الإنحياز للخط المناوي للمسلمين (٢) واصرت على موقفها من الدعوة الجديدة ووقفت موقفاً عدائياً من الإسلام والمسلمين منذ ظهور الإسلام، وتآمرت مع المشركين لاخفاء نور الإسلام وسحق دعوته، ولهذا فقد اضطر الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ ان يعاملهم بالمثل فحاربهم، وعاهدهم، ولكنهم خانوا، وخدعوا فتم اجلاؤهم عن الجزيرة العربية، ليس لانهم يهود، بل لخياناتهم. وبعد ان انتصر الإسلام على المشركين، وعلى اليهود، وتمت له السيطرة اصبح اليهود، شأنهم شأن النصارى، يعاملون معاملة طبيعية كمواطنين، ما لم يخرجوا على النظام، ويمتنعوا عن القيام بواجباتهم


(١) محاور الالتقاء ومحاور الافتراق بين المسيحية والإسلام - غسان سليم سالم- ص ٧٦ - دار الطليعة -بيروت - ط١ ٢٠٠٤
(٢) الحوار الإسلامي مع الأديان التوحيدية الأخرى: الخلفيات و الآفاق - عبد الملك منصور حسن المصعبي.

<<  <  ج: ص:  >  >>