يمكن للمرء الاستنتاج أن النبوءات الواردة في كتاب الرؤيا، كانت تمثل ـ وقت كتابتهاـ مشاعر فئات من المسيحيين تجاه مضدهديهم، وجلهم من المحرومين والمعدمين والمتذمرين والناقمين والمعادين للسلطة، وحتى القابلين منهم للاشتراك في عمليات تخريب أو عصيان مسلح، وقد ناقض مسيحيون آخرون من أتباع بولس مشاعر هؤلاء، إذ قبلوا كتابات بولس بوجوب الخضوع للسلطات الحاكمة المتجسدة في نيرون نفسه في ذلك الوقت، باعتبار أنه معين من الله، وقد يكون أن بولس كتب مرئياته بغرض تهدئة أتباعه، ولتجنب الاحتكاك مع السلطات الرومانية، ولإعطاء السلطة الانطباع أن المسيحيين مواطنون مسالمون يتقيدون بقوانين السلطة الحاكمه.
فمن المعروف أن كتاب الرؤيا تمت كتابتة بعد حريق روما، وقطعاً قبل أن يدمر الرومان القدس في العام ٧٠ م، لان أقصى ما توقعه المؤلف في رأياه ألا يتم تدمير سوى عشر المدينة (رؤيا ١١/ ١٣)، كما تنبأ أيضا أن يبقى معبد القدس سالماً (رؤيا ١١/ ١ـ٢)، وتلك من جملة نبوءاته التي ثبت خطؤها الفاضح. والملفت للنظر انه رغم الفشل السافر لنبوءات يوحنا عن المجيء الثاني، ونهاية التاريخ، ورغم أن مسيحية بولس ـ المرتكزة على هذه النبوءات ـ لم تكن مقصودة للأجيال القادمة، فقد تمكنت المسيحية من الانتشار ليس فقط في العالم اليوناني ـ الروماني لذلك الحين، بل لأجيال قادمة على مستوى العالم كله تقريباً، والأكثر عجباً أن المسيحية الغربية ـ في شقها البروتستانتي ـ لم تيأس حتى يومنا هذا من تحقق المجيء الثاني (١).
"والمثير للدهشة في نبوءات المجيء الثاني، ونهاية التاريخ، والمشاعر المترتبة عليها، أنها كانت العامل المؤثر تاريخيا في تكييف مشاعر وسلوك المسيحيين الأصوليين تجاه الشرق الأوسط وسكانه، حيث سوغ هؤلاء الاصوليون لانفسهم
(١) المسيحية والاستشراف والإسلام - محمد فاروق الزين ـ ص٢٥٢