بعد هذا التحديد والإيضاح لتاريخ الولايات المتحدة منذ افتراس وذبح سكان شبه القارة الأصليين, وإلى أيامنا هذه، يجب تقييم ما يسمى بـ (الديمقراطية الأمريكية) والعمل على إزالة الأوهام, واكتشاف أوهام وأكاذيب الحرية التي تزعم أمريكا أنها الحامية الأولى لها في كل مكان في العالم، بل يجب تقييم التجربة الأمريكية برمتها، أو ما يحلو لقادة أمريكا بتسميتها بالحلم الأمريكي. فهذا الحلم تحول إلى كابوس مرعب ليس للعالم, بل لبعض الأمريكيين أنفسهم، الذين لم يحتملوا جنوح بلادهم إلى حافة الهاوية والانحطاط. "فمادية المجتمع الأمريكي وعسكريتاريته, كما يقول (رو برت دول) في كتابه (الكابوس الأمريكي)، تدعوان إلى القرف اليوم أكثر من الأمس". ولهذا فقد قرر أن يكتب كتابه الجديد بلغة (مولبير) الفرنسية, وليس بلغة شكسبير، ليكشف عن انتمائه الطوعي الجديد، هذا بالرغم من أنه يجيد سبع لغات ويكتب بها جميعاً. وهو لن يجرؤ على ترجمة كتابه إلى الإنجليزية لأنه يخاف من ردة فعل اليمين الأمريكي المتطرف، ويعرب عن سروره لان تعلم اللغات الأجنبية لا يشكل جزءاً من عادات وتقاليد هؤلاء الفاشيين الأمريكيين.
يقول (روبرت دول): "إن العقلية الأمريكية هي انعكاس لبيوريتارية القرن السابع عشر الميلادي، حيث يرى أن هناك أربع آثار للبيوريتارية تبدو واضحة اليوم في السلوك الأمريكي المعاصر, وهى: الفردانية المتوحشة - الاعتقاد بأنهم شعب الله المختار على الأرض - الفظاظة المتأسسة, وتقليد الاعتراف العلني". وبالرغم من أن دول هو كاتب أمريكي بيوريتانى من حركة المتطهرين الأمريكية، إلا أنه مع ذلك لم يستطع العيش في ظل القيم المادية التي تحكم المجتمع الأمريكي، ولهذا اختار كندا منفى نهائياً له منذ عام ١٩٧٧م. حيث يقول:"إن هربه إلى الخارج ليس خيانة لبلده وأسرته، بل كان بحثاً عن السلام الداخلي لانه لم يستطع إيجاد أرضية مشتركة بين قيمه الشخصية، وقيم المجتمع الأمريكي في نهاية القرن العشرين. ولأنه يحب وطنه كثيراً فإنه يأبى مشاهدته وهو يسير مسرعاً في طريق الانحطاط".