حيث يقول:"لقد دأب هذاعلى التفنن في أساليب اقترافه لجرائمه، لكأنه يقوم بعمل يحبه ويتعشقه. وتتراوح جرائمه ما بين الاعتداء على الناس، بالضرب والشتيمة، وسرقة ما يلقاه في حوزتهم، وبين القتل العمد رمياً بالرصاص أو طعناً بالحراب. كان ساديّاً يجد لذته في تعذيب ضحاياه حتى الموت. وليس شرطاً أن يكون هؤلاء ثواراً، أو حتى مجرد رجال راشدين. بل كثيراً ما عمد إلى قتل غلمان، أو مزارعين يلقاهم في الطرقات، أو في أي مكان بين البيارات والحقول أو على رمال الشاطئ.
هكذا تناقلت الروايات سيرته. حاول أهل القرية اغتياله في أكثر من مناسبة، دون أن يفلحوا، مما أضفى على غريمهم هذا هالة أسطورية من الرهبة. لكن محاولاتهم ما كانت لتذهب بغير عقاب يوقعه بهم، تمثل في صور عديدة مختلفة. منها العقوبات الجماعية، يفرضها عليهم، اعتباطاً ومن تلقاء نفسه. وكأنه دولة قائمة بذاتها، لا يُسأل عما يفعل. ومنها اللجوء إلى قتل مجموعات من الناس كيفما اتفق، ربما صادفها في طريقه، أو عمد إلى جمعها من المزارعين، أو من بين روَّاد المقاهي وأصحاب الحوانيت، أو المارة. أما أهون تلك العقوبات فقد كان حجز أعداد غفيرة من أهل القرية في ساحتها العامة، لساعات طويلة تحت أشعة الشمس اللاهبة، أو المطر المنهمر، تبعاً للفصل الراهن حينئذ. بل هم مازالوا يذكرون في قهر وأسى كيف ألقى هذا الانكليزي - اليهودي فجر ذات يوم بخليل السلال وولده ابراهيم من فوق الجسر إلى لجة الوادي، ليلقيا حتفهما دون أن تشفع لهما توسلاتهما وضراعتهما شيئاً" (١).
[الدافع الديني للتحيز]
مما تقدم يمكننا تقدير حجم المساعدة، ودوافعها الدينية، التي قدمتها بريطانيا للحركة الصهيونية. فهذه المساعدة لم تكن بدافع الحصول على مكاسب مادية، أو بسبب أثر اللوبي الصهيوني، أو نتيجة لدهاء وعبقرية الزعماء الصهاينة، بل كان الدافع الأساسي لها كما اتضح لنا، دافعاً دينياً في الأساس. تقول دائرة المعارف البريطانية: "إن الاهتمام بعودة اليهود إلى فلسطين قد بقى حياً في الأذهان بفعل
(١) قبل الرحيل - محمد جاد الحق- ص٨٧ - اتحاد الكتاب العرب ١٩٩٧