أن تبعيتها الفكرية للدول الاستعمارية ما زالت قائمة، بالرغم من المحاولات الجادة التي تبذلها هذه الدول للتخلص من هذه التبعية، والتي تحتاج إلى وقت وصبر وعمل دائم على كافة المستويات بالإضافة إلى تكاتف جهود كل الدول والمؤسسات الفكرية في الدول الإسلامية.
[الغزو الفكري دوافعه وأدواته]
يذهب أغلب الباحثين إلى ان فشل الحروب الصليبية في تحقيق أهدافها عن طرق الغزو العسكري، جعلت الغرب يستخلص الدروس والعبر التي تعينه على معرفة الطريقة الجديدة التي يجب أن يتعامل بها مع العالم الإسلامي، حيث أدرك الغرب أن الغزو العسكري لابد مخفق مهما طال الزمان، ما لم يصحبه غزو فكري يزلزل عوامل القوة الكامنة في الإسلام والحضارة الإسلامية. والغرب بذلك يعمل وفق القاعدة التي تقول:"إذا أرهبك عدوك فافسد فكره ينتحر به". وهنا يقول المؤرخ (جان دي جوانفيل) الذي رافق الملك (لويس التاسع) ملك فرنسا في حملته الصليبية (الحملة السابعة): "أن خلوة الملك لويس التاسع في معتقله بالمنصورة، أتاحت له فرصة هادئة ليفكر بصبر في السياسة التي كان أجدر بالغرب أن يتبعها إزاء المسلمين. وقد انتهى به التفكير إلى أنه لا سبيل للسيطرة على المسلمين عن طريق الحرب أو القوة، وذلك لأن في دينهم عامل حاسم هو عامل المواجهة والمقاومة والجهاد وبذل النفس والدم، لأنهم قادرون دوماً انطلاقاً من عقيدتهم إلى المقاومة ودحر الغزو الذي يجتاح بلادهم، وأنه لابد من إيجاد سبيل آخر من شأنه أن يزيل هذا المفهوم عند المسلمين، وذلك لا يتم إلا بتعديل الحملات الصليبية العسكرية إلى حملات سلمية تستهدف الغرض نفسه، وذلك من خلال التركيز على الفكر الإسلامي وتحويله عن مساره وأهدافه حتى يستسلم المسلمون أمام لقاء القوى الغربية وتروض أنفسهم على تقبلها على نحو من أنحاء الاحتواء والصداقة أو التعاون. وأفضل وسيلة لذلك هي تجنيد المبشرين والمستشرقيين ودعم مؤسساتهم ونشاطهم في العالم الإسلامي". وقد علق المؤرخ رينيه جروسيه على ذلك بقوله: