ما إن انتصر قادة الولايات المتحدة في الحرب حتى بدأوا يسيئون إدارة السلام. وواصلوا التصرف كما لو أن الحرب الباردة والقرن العشرين لم يكونا قد انتهيا (١). فقد أكد كثير من المراقبين علي أن حكومة بوش قامت في خلال ثمانية أشهر فقط منذ تسلمها السلطة، بمعاداة معظم الدول، بل ومنظمات العالم بصورة غير مسبوقة، حيث اصطدمت بروسيا فيما يتعلق بحرب طرد الجواسيس، ثم بمظلة الصواريخ الدفاعية، واصطدمت بالصين في موضوع الطائرة الصينية، ومع معظم دول العالم ومنظماته في تصرفات استفزازية، بدأت بإعلان الانسحاب من اتفاقية الحد من الصواريخ الباليستية، والإصرار علي مشروع مظلة الصواريخ الدفاعية، والانسحاب من اتفاقية كيوتو لحماية المناخ، والانسحاب من اتفاقية وقف إنتاج الأسلحة البيولوجية، ورفض اتفاقية الحد من إنتاج الأسلحة الصغيرة وغيرها من القرارات التي أدت لتذمر عالمي حتى بين أقرب حلفائها الأوروبيين، الذين ساعدوا علي طردها من لجنتي حقوق الإنسان ومكافحة المخدرات في حرب دبلوماسية واضحة، عبر عنها المحلل الألماني الشهير (جوزيف جوفه) بعبارة (أمريكا التي لا شريك لها)، مؤكداً أنها تتعامل حتى مع دول أوربا والناتو بغطرسة، تعتمد علي إصدار القرارات، ثم إجبار هذه الدول بإتباعها بلا مناقشة، وهذا ما يؤكد أن أعداء أمريكا ليسوا فقط العرب والمسلمين، أو في شرق ووسط أسيا بل إن العداء أصبح عالمياً بصورة واضحة!
فالأوروبيين كما يقول (جوفه) يريدون دعم الولايات المتحدة ومنعها في نفس الوقت من أن تتحول (آخر قوة عظمي) إلى قوة أكثر تجبراً وغطرسة، بعد أن صارت تتعامل حتى مع حلفائها الأوروبيين بطريقة الآمر النهائي، وعلي الجميع إطاعته. وربما هذا ما يجعلنا نفهم السبب في تمرد السياسة الأمريكية على النظام العالمي بعد أحداث ١١ سبتمبر، حيث يذكر (فرانسو هايزبور) في كتابه (فرط الإرهاب) ببعض المعطيات العالمية وتطوراتها عشية هجمات ١١ سبتمبر، والتي يمكن من خلالها فهم مغزى انعكاسات أحداث ١١ سبتمبر، حيث يرصد على سبيل المثال
(١) الدولة المارقة - الدفع الأحادي في السياسة الخارجية الأمريكية - كلايد برستوفتز - تعريب فاضل جتكر - ص٢٩٥