ويجتمع اليهود من كافة أقطار الأرض" هكذا قال يشعياه. كما تنبأ حزقيال: "وخلصتكم من الغرباء وجمعتكم من كل الأقطار، أحضركم إلى أرضكم" (١).
وربما يرفض البعض تحليلنا السابق الذي يحصر أهمية قيام الحركة الصهيونية في مجرد أنها رفضت التصور التقليدي الغيبي الذي كان سائداً قبل ذلك، وإتباع منهج جديد لتحقيق الحلم الصهيوني، ويعتبرون في ذلك انتقاصاً للدور الكبير الذي لعبته الحركة في قيام إسرائيل. وكان من الممكن أن يكون هذا الرفض في محله لو أن هذه الحركة عملت لتحقيق قيام إسرائيل بمفردها، أو أنها كانت أول من تبنى هذه الفكرة، ولكننا لاحظنا من خلال العرض السابق كيف أن التفكير بإعادة اليهود إلى فلسطين بدأ قبل ظهور الحركة الصهيونية بثلاثة قرون على أيدي إتباع المذهب البروتستانتي، الذين لم يتركوا مناسبة إلا استغلوها من أجل تحقيق هذه العودة، كما أنهم قاموا بدراسة فلسطين والبحث فيها من أجل إعدادها وتهيئتها لسكانها الجدد، الذين لم يطلب منهم سوا التجاوب مع هذه الجهود وعدم رفضها.
وقد جاء هذا التجاوب من قبل الحركة الصهيونية، التي وجدت كافة الأمور ممهدة أمامها، ولم يكن مطلوب منها سوى تبنى هذه الدعوة نيابة عن اليهود في كل مكان، والعمل على استغلال كافة العوامل الدينية والسياسية والاقتصادية والإنسانية، بالإضافة إلى المتغيرات الدولية لصالحها، من أجل إقناع الحكومة البريطانية وأمريكيا بضرورة توطين اليهود على أرض فلسطين. ومن هنا بدأ الزعماء الصهاينة يتحركون نحو الحكومة البريطانية لمساعدتهم في ذلك.
[اللجنة الملكية لهجرة الغرباء]
بالإضافة إلى العامل الديني والمكاسب السياسية التي ستجنيها بريطانيا من خلال توطين اليهود في فلسطين، برز عامل آخر مهم، وهو هجرة اليهود من دول أوروبا الشرقية إلى دول أوروبا الغربية وأمريكيا فراراً من الاضطهاد. فقد كانت هذه الهجرة تقلق تلك الحكومات، ومنها بريطانيا التي سعت لوضع حل لهذه المشكلة. فشكلت في عام ١٩٠٢م اللجنة الملكية لهجرة الغرباء، حيث حاولت تقدير أخطار
(١) مكان تحت الشمس - بنيامين نتنياهوـ ترجمة محمد الدويرى - ص٧٧