للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الديني والعلماني]

بالرغم من المزج الذي يسترعي الانتباه بين العنصر الديني الواضح، والعنصر العلماني الواضح، في الحياة الأمريكية، والذي دفع المثقف الفرنسي (اليكس توكفيل) في كتابه عن الديمقراطية في أمريكا، إلى القول: "إن الوعاظ والقساوسة الأمريكيين يتكلمون كساسة، والساسة يتكلمون كوعاظ" (١) ـ بالرغم من هذا المزج الذي قد يوفر دليلاً هاماً في فهم الثقافة الأمريكية، فقد ركز معظم المؤرخين الأمريكيين بصورة شبه حصرية على ما هو علماني فقط. ويعكس هذا الموقف وضع الأسرة الأكاديمية الحديثة. إذ أكدت التفسيرات السائدة للسلوك البشري خلال القرن الماضي على العوامل غير الدينية، علاوة على ذلك فقد تنبأت العديد من النظريات ولاسيما التي ظهرت في النصف الأول من القرن العشرين، بأن الدين التقليدي شأنه في ذلك شأن الطب البدائي والمحراث الذي يجره الحصان سيختفي حتماً مع تقدم الثقافة والتعليم الحديثين. ومن ثم فإن معايير كثير من دراسات الإنسانية تمحورت حول الافتراض القائل بعدم ضرورة حمل الدين على محمل الجد، من أجل فهم العالم الحديث" (٢).

وفي الولايات المتحدة وبلدان أخرى في أواخر القرن العشرين، أثبت هذا الافتراض بطلانه غير أن الأكاديميين كثيراً ما يتباطئون في التخلي عن تقاليدهم، التي درجوا عليها في تفسير الأمور والأحداث، حيث تغافلوا أو لم يدركوا طبيعة الدين في أمريكا، والكيفية التي نشأ بها، معتقدين انه لا يمكن إعطاء الدين دوراً في الحياة الأمريكية، طالما أن السلطة ليست في يد القساوسة ورجال الدين، كما كان الحال في أوروبا أيام سيطرة البابا على السلطتين الزمنية والدينية، حيث تناسى هؤلاء أن الدين الأمريكي ما هو إلا امتداد للمذهب البروتستانتي، الذي تمرد على سلطة البابا، ورفض رفضاً قاطعاً تمتعه بالسلطتين الزمنية والدينية، لما جلبه ذلك من مفاسد حسب اعتقادهم، ولهذا كان الفصل بين الدين والدولة مطلباً دينياً في المذهب البروتستانتي، ارتضاه المؤسسون الأوائل لأمريكا انطلاقاً من قناعتهم الدينية، التي


(١) المسيحية والتوراة - شفيق مقار ص٣٢٢
(٢) الدين والثقافة الأمريكية - جورج مارسدن - ترجمة صادق عودة ص ١٠

<<  <  ج: ص:  >  >>