"مشروع لأخلاق عالمية: "لا سلام عالمياً بل سلام بين الأديان، ولا سلام بين الأديان بلا حوار بين الأديان، ولا حوار بين الأديان بلا دراسات جادة وأبحاث موضوعية. فهناك رغبة عالمية صادقة وملحة لصياغة انسان جديد يؤمن بالتنوع الثقافي ويدعو إلى الموازنة بين الروح والمادة، لمواجهة أمراض التكنولوجيا، وفي مقدمتها الغاء الهوية، وتفتيت وحدة الكيان الانساني، وتمزيق الطبيعة وتعميق الفروق الطبقية بين الناس والشعوب والأوطان". وتتأكد هذه الحاجة مع تعالي الصيحات التي تدعو إلى توكيد بل إلى تأسيس ثقافة التسامح التي تتوقف بدورها على الاعتراف بثقافة الآخر (١).
[الحوار بين الديانات والحضارات لماذا؟]
يشهد العالم الحديث في ظل الموجة الثالثة أو "عهد القطيع والقبيل الإلكتروني" بلغة "فريدمان" تحولات غير مسبوقة تنذر بإحداث تأثير كبير في منظومات القيم والعلاقات والثقافات .. وعلى الرغم من التطور المذهل الذي يشهده قطاع الاتصالات فقد لاحظ الباحثون بمرارة أنه كلما زادت وسائل الاتصالات كلما قل التواصل! وكلما زادت الآليات الكفيلة بتقريب المتباعدين كلما تقوقع أبناء الحضارة على أنفسهم، وباتوا أقل إحساسا لحرارة مشاعر ومشاغل الغير، وأكثر اعتدادا واعتزازا بذواتهم وبشكل دوغمائي. وتبدو الصورة التي يمكن تقديمها لعالم اليوم متنافرة في جزئياتها، بل ومتعارضة في بعض منها! ففي الوجه الأول نعيش في عالم متلاحم متشابك المصالح والوسائل والغايات، بشكل جعل الكثيرين ينأون بأنفسهم عن الارتباط بكيانات قطرية ضيقة، وينعون الدولة الوطنية التي باتت في منظور الاجتماعيين كبيرة جدا عند مواجهة المشاكل الصغرى، وصغيرة جدا حين مواجهة المشاكل الكبرى! وفي الجانب الآخر من الصورة شهد تزايدا مقرفا لتيارات العنف والكراهية وتناميا متسارعا للأقليات الفكرية والطائفية وتفتيتا للأغلبية إلى
(١) الاقليات المسلمة في الغرب من العزلة إلى الاندماج الفاعل - غالب حسن الشابندر- المصدر: التوحيد/١٠٧/ ٢٠٠١ م