وكانوا محكومين بتغطية تمليها عليهم الضرورات العسكرية وإستراتيجيتها، وقد بلغ عددهم أكثر من ٧٠٠ صحفي. ونتيجة لذلك فإن الرأي العام الأميركي والبريطاني رأى في البداية صورة زاهية عن الحرب وكأنها (ألعاب نارية). رأى حربا نظيفة ليس فيها قتلى, إذ كانت الصور الموحشة للحرب يتم التخلص منها من قبل الرقابة العسكرية, وهكذا لم ينقل الإعلام الأنغلوأميركي حقيقة الإصابات بين المدنيين والدمار الذي ألحق بالعراق. وفي المقابل كان المشاهدون في بقية دول العالم يرون صورة أخرى للحرب, فيها معاناة العراقيين وموتهم, والإهانات التي تعرضوا لها، وهي الصورة التي كانت الفضائيات العربية تنقلها إليهم. فقنوات الإعلام العربي ـ وخاصة قناة الجزيرة ـ تمكنت من كسر الاحتكار الغربي لتغطية الحرب, بخلاف ما حصل في حرب الخليج الأولى ١٩٩١م, عندما كانت CNN تنقل حصرياً صور القصف الجوي متوائمة مع الإستراتيجية الأميركية. فهنا, انتشرت تغطيات الجزيرة, وكانت تعتمد في تلفازات القارات جميعاً, من أميركا اللاتينية وأفريقيا إلى آسيا والصين. ولهذا فقد اعتبرت تلك التغطيات معادية وتصب ضد الحرب, وكانت النتيجة استهداف الجزيرة وضرب مكتبها في بغداد. لكن بالمجمل, فإنه ولأول مرة في تاريخ الحروب الحديثة, تمكن الناس العاديون في معظم بقاع العالم من متابعة وحشية الحرب على ما هي عليه من دون رتوش, وكما تحدث على الأرض. ولكن ذلك تم على حساب الصحفيين, حيث أن عدد الصحفيين الذين قتلوا في هذه الحرب فاق أي حرب أخرى, وهو عدد غير مسبوق, وهذا يدلل على أمر هام هو حجم الكذب الذي كان يراد له أن يمر دون انكشاف, حتى تظل أسطوانة (اكذب علي) هي السائدة (١).
[الإعلام والحرب النفسية]
في تحليل له تناول (مارك كيرتز) بشكل مركز مسألة تعزيز دور الإعلام الغربي في الحرب كآلة ضرورية لتطبيق الحرب النفسية, أي أنه تخلى تماماً عن دور المعلم الذي يكون همه اللحاق بالمعلومة والخبر والبحث عن الحقيقة. وهنا يرصد
(١) أسرار وأكاذيب ... عملية "تحرير العراق" وما بعدها ـ ديليب هيروـ عرض/ كامبردج بوك ريفيوزـ المصدر: الجزيرة