للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الوعد لن يتحقق لا بممارسة طقوس حرفية ولا بنصر مؤزر يعد به الله. وهاهنا تظهر - اول مره- في النصوص العبرية لدى اشعيا تلك العلاقة بين فكرة المخلص وبين فكرة (المتألم الصالح) التي ستظهر في سفر أيوب في القرن السادس كما عبرت عنها سابقاً الأدبيات الدينية البابلية في الألف الثاني ق. م. يقول سفر اشعيا: "أنه رجل الآلام .. لقد حمل عنا آلامنا .. وقتل بسبب جرائمنا".

وهذا العهد كما قلنا يمتاز بانفتاحه على العالمي. صحيح ان العبريين قد نقلوا (رسالة) وأنهم من هنا امتازوا بعض الامتياز بالقياس إلى الشعوب الأخرى، ولكن مع مجئ كبار الانبياء كان تجاوز لهذه (الاستثنائية) والعنجهية القبلية. جاء في سفر أشعيا: "سأجعل منك نوراً للأمم حتى يعم سلامي وخلاصي أقاصي الأرض" (١). إن الانبياء لم يقتصروا على القول بالانتقال من الخصوصية إلى العالمية فحسب وإنما تشكلت على أيديهم عملية تحول حقيقية في مفهوم القيم، فمقولات الإيمان التقليدية مازالت قائمة ولكنها عرفت تحولاً روحياً نوعياً.

وهكذا لم يعد الوعد خاصاً بامتلاك أرض أو بتحقيق نصر عسكري. جاء في المزامير: "مجدوا اسم يهوه .. لقد انتصر على الملوك الأقوياء .. وأهلك الملوك الأشداء وجعل من أرضهم إرثاً لنا". لقد صار الوعد تبشيراً بملكوت الله الذي يشمل العالم ليغمره بالسلام والمحبة بين الشعوب. يقول أشعيا على لسان يهوه: "سوف اخلق لكم سماوات وأرضاً جديدة .. حينئذ ستقبل عليها كل الأمم .. سنجعل من حرابنا مناجل للحصاد ومن سيوفنا محاريث للفلاحة ولن يتعلم أولادنا فنون الحرب". ان تحقيق الوعد لا يكون بتمركز البدو الرحل الآخذين بالتحضر في أرض خصبة هي (أرض الميعاد) ولا بقيام دولة كمملكة داوود، وانما بمجئ ملكوت الله (٢).

[السبي البابلي]

بعد وفاة سيدنا سليمان انقسمت مملكته إلى قسمين شكّلا دولتين منفصلتين متعاديتين في كثير من الأحيان، وعانتا من الفساد الداخلي والضعف العسكري


(١) فلسطين ارض الرسالات السماوية - روجيه جارودي - ترجمة قصي اتاسي- ميشيل واكيم - ص٩٢
(٢) فلسطين ارض الرسالات السماوية - روجيه جارودي - ترجمة قصي اتاسي- ميشيل واكيم - ص٩٣

<<  <  ج: ص:  >  >>